رحلة العمر: بين الفنادق والخيام.. تجربة إقامة الحجاج المغاربة بالديار المقدسة (الحلقة 13)
سلسلة توثق تجربة حاج مغربي شكلت لصاحبها رحلة عمر

سلسلة رحلة العمر.. انطباعات حاج مغربي
الحج ليس مجرد سفر أو تنقل بين شعائر وأمكنة، بل هو عبور روحي عميق يعيد صياغة علاقة المسلم بربه ونفسه والعالم من حوله، فمنذ أن نادى الخليل إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج، ظل هذا الركن العظيم يجمع المسلمين من كل فج عميق، في مشهد مهيب تتجلى فيه وحدة الأمة ومساواتها أمام الله.
في هذه السلسلة التي تنشرها جريدة “العمق”، يوثق الحاج المغربي أحمد الطلحي، المنحدر من مدينة طنجة والخبير البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، تفاصيل رحلته إلى الديار المقدسة خلال موسم 1446 هـ، بعد سنوات طويلة من الانتظار والدعاء.
بين الشوق قبل السفر، والسكينة في المشاعر، والمواقف المؤثرة في عرفات والطواف، يقدم الطلحي شهادة صادقة وتأملات روحية وإنسانية وتنظيمية، يشارك من خلالها القارئ مواقف لا تُنسى، ونصائح قد تعين المقبلين على هذه الفريضة العظيمة.
ـــــــــــــ
الحلقة 13: بين الفنادق والخيام.. تجربة إقامة الحجاج المغاربة بالديار المقدسة
بالمقارنة مع ظروف إقامة الحجاج المغاربة في الديار المقدسة، فلا يسع الملاحظ إلا أن يعترف بالتحسن الكبير الذي لوحظ في السنوات الأخيرة لها. ففي المدينة المنورة أغلب الفنادق التي يقيم فيها الحجاج المغاربة محيطة بالمسجد النبوي، كما أن أغلب الفنادق بمكة المكرمة لا تبعد كثيرا عن المسجد الحرام. والتغذية كانت في السابق منعدمة، واليوم أصبحت معممة داخل الفنادق وفي المخيمات، خصوصا وجبتا الفطور والغذاء. لكن، لا تزال هناك مجهودات مطلوبة من أجل التحسين أكثر، خصوصا في مخيمات عرفات ومنى.
1- ظروف الإقامة في المدينة المنورة:
كل فنادق الحجاج المغاربة هي فنادق مصنفة، وبها خدمات لا بأس بها، مع تفاوت فيما بينها.
بالنسبة للفندق الذي نزلنا فيه، بالرغم من قربه من المسجد النبوي، كانت خدماته وفضاءاته وتجهيزاته أقل جودة من الفنادق الأخرى التي نزل بها الحجاج المغاربة. وتبين لنا فيما بعد بأنه تم تغيير فندقنا قبل وصولنا بمدة قليلة، وأن الفندق الذي كان مخصصا لنا كان أفضل بكثير، لذلك على السلطات المغربية أن تراعي هذا الأمر عند التعاقد مع الفنادق.
كان أول مشكلة عانينا منها عند وصولنا للفندق، هو توزيع الحجاج على الغرف وتسليم مفاتحها لهم، إذ تطلب ذلك وقتا طويلا لساعات أدى إلى إرهاق الحجاج كثيرا وإلى تشنجات كثيرة. وكانت هناك عدة تفاسير لهذه المشكلة، لكننا لم نتفهمها ولم نقبلها، لأن العملية بسيطة ولم تكن تحتاج لكل الجهد والوقت الذين صرف لها.
ومما عانيناه من مشاكل في هذا الفندق، والتي ينبغي الانتباه إليها في اختيار الفنادق، ما يلي:
– ضيق البهو الوحيد للفندق، بحيث لم يكن يتسع لأعداد كبيرة من الحجاج
– ضيق المطعم الوحيد للفندق، بحيث كان هناك تفويج للحجاج، وكنا ننتظر في الطابور لمدة طويلة، بالإضافة إلى ازدحام الموائد والكراسي
– قلة المصاعد وصغرها، ولتفادي الانتظار الطويل كان الحجاج يضطرون لاستعمال السلم
– ضيق مساحة الغرف وضعف جودة تجهيزاتها
– سلم للحجاج مفتاح واحد لكل غرفة، مما تسبب في مشاكل كثيرة لهم
– الطعام المقدم في الوجبتين، بالرغم من وفرته كما، إلا أنه لم يراع حمية المرضى، وكما هو معلوم أغلب الحجاج من كبار السن الذين يعانون من الأمراض المزمنة. كما أن الأكلات لم تكن مغربية وبالتالي لم ترق لأغلب الحجاج.
2- ظروف الإقامة في مكة المكرمة:
نفس المشكلة تكررت حين وصولنا إلى فندق مكة، وهي مشكلة توزيع الغرف، التي أدت أيضا إلى ضياع وقت طويل وإلى إرهاق وتشنج. وهناك من الحجاج من لم يستلم مفتاح غرفته إلا بعد ساعات من الوصول إلى الفندق. كما أنه وقع تغيير غير مفهوم للأفراد الذين كانوا في غرفة واحدة في المدينة المنورة.
وكان من حظنا السيء أن الفندق الذي نزلنا فيه كان بعيدا بعض الشيء عن المسجد الحرام، بالرغم من وجود حافلات تابعة للفندق تنقل الحجاج منه إلى المسجد والعكس، إلا أن مدة رحلاتها كانت طويلة. لذلك كنا نفضل الذهاب إلى المسجد راجلين، ولكن بسبب الحرارة المرتفعة لم نكن نستطيع أن نذهب في كل الأوقات، ونصلي فقط في مصليات الفندق الكثيرة.
لكن، في الواقع كان الفندق فخما، وجميع خدماته وتجهيزاته ممتازة، ويتميز باتساع فضاءاته ومرافقه ونظافتها، وبكثرة المصاعد التي كانت كبيرة وسريعة. الفندق كبير وضخم فهو يتكون من 9 أبراج وكل برج مكون من 35 طابق علوي إضافة إلى الطابق الأرضي وطابقين تحت أرضيين فوقهما ميزانين، والطابق الأول مخصص لقاعات الصلاة وأماكن الوضوء للرجال والنساء، والطابق الثاني مخصص للاجتماعات واللقاءات، والطابقين الثالث والرابع عبارة عن مطاعم، ومن الطابق الخامس إلى الطابق ال35 مخصصة للغرف، في كل طابق 16 غرفة وفي كل غرفة أربع أسرة والمجموع هو حوالي 18 ألف سرير.
بالنسبة للطعام، فهو كان متنوعا وبكميات كبيرة لكنه لم يكن يناسب المغاربة، وحتى الأكلات المغربية لم تكن تعجبنا لاستعمال التوابل والبهارات الآسيوية القوية. لذلك، على السلطات المغربية أن تفرض تقديم الأكلات المغربية وبكيفية الطهي المغربية، وهذا ما لاحظناه معمولا به بالنسبة للحجاج الماليزيين والإندونيسيين.
3- ظروف الإقامة في عرفات:
المخيم المغربي بعرفات كأغلب مخيمات الدول الأخرى، يتصف بالبساطة والاكتظاظ. كل خيمة كانت تضم المئات من الحجاج، وعانينا من شدة الحرارة داخل الخيمة بالرغم من وجود المكيفات التي كان يرفض عدد من الحجاج تشغيلها. بالنسبة لي، لم أنم جيدا ليلة عرفات بالرغم من الإرهاق، وذلك للأسباب التالية: الحرارة المرتفعة، والازدحام الكبير، وحديث الحجاج فيما بينهم بصوت عال، والمصابيح التي رغب أغلب الحجاج في بقائها مشتعلة.
ويرى عدد من الحجاج، وأنا واحد منهم، أن المبيت في عرفة بدل منى ليلة التاسع من ذي الحجة، لم يكن قرارا موفقا أو لم تهيأ الظروف له جيدا. فالاكتظاظ داخل الخيام كان كبيرا، والأفرشة كانت عائقا للصلاة، بحيث كانت مخصصة للنوم والجلوس. وكل هذه المشاكل أثرت على القيام بمناسك الوقوف في أحسن حال.
يضاف إلى ذلك، المشكلة العويصة المتمثلة في قلة المراحيض مقابل الأعداد الكبيرة للحجاج، والمراحيض الموجودة كانت سيئة وغير نظيفة في غالب الأوقات أو خارج الخدمة.
وبالنسبة للتغذية، وزع علينا في كل وقت أكل بارد في صناديق كرتونية، بنفس الأطعمة التي لا تراعي شروط الحمية بالنسبة للحجاج المرضى بأمراض مزمنة. أما بالنسبة للماء، فقنينات الماء البارد كانت متوفرة بكثرة.
وبالتالي لابد من تحسين شروط الإقامة كلية في عرفات، والتقويم الموضوعي لقرار المبيت في عرفات، ولما لا التراجع عنه.
4- ظروف الإقامة في منى:
أغلب الحجاج يقيمون في المخيمات في منى، مع وجود بعض الفنادق والإقامات تقيم فيها نسبة قليلة من الحجاج. والمخيمات تتكون من خيام مجهزة كبيرة، وممرات ضيقة، ومرافق صحية للنساء والرجال، ومطبخ في كل مخيم…
الخيام كانت مكتظة وضيقة، بالرغم من توفير أسرة مركبة من طابقين، لدرجة كان يصعب توفير مساحة كافية للصلاة، وبعض الحجاج كانوا يصلون واقفين على أسرتهم العلوية.
وكنا نجد صعوبة في النوم لنفس الأسباب التي كانت في مخيم عرفات.
والمعضلة الكبرى كانت طبعا قلة المراحيض، بالرغم من المجهودات التي بذلت في تجهيزها ونظافتها، لكن عددها قليل بالنسبة للعدد الكبير للحجاج، وكان الحجاج يقفون لوقت طويل في الطوابير للدخول للمراحيض. ومن الظواهر السيئة التي عشناها في المخيم، هو دخول النساء في بعض الأحيان للمراحيض المخصصة للرجال.
أما التغذية فكانت متوفرة، لكنها كانت سيئة لدرجة أن نسبة من الحجاج لم تكن تتناولها. وفي اليوم الأول يوم النحر سجل ارتباك كبير في توزيع الطعام، لدرجة أن بعض الحجاج لم يصله نصيبه، والبعض الآخر لم يحصل على الفاكهة. لكن، بعد ذلك تم تجاوز هذا الإشكال، وبالعكس كان الطعام متوفر بكثرة لدرجة أنه كان يتم إرجاع كميات كبيرة منه.
والحل الوحيد في نظري لعلاج مسألة الاكتظاظ في منى، هو البناء العمودي بدل المخيمات.
ـــــــــــ
* أحمد الطلحي: إطار مغربي وخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية
اترك تعليقاً