منتدى العمق

الشباب خارج اللعبة السياسية

تعد قوة الشباب محركا أساسيًا في أي مجتمع، لما يتمتعون به من طاقة وحيوية وأفكار متجددة، إلا أننا نلاحظ بشكل متزايد غيابهم عن المشهد السياسي. هذا العزوف عن الانتماء والمشاركة السياسية يمثل إشكالية حقيقية تهدد مستقبل الديمقراطية والتنمية، إذ يعكس أزمة ثقة عميقة بين الجيل الجديد والفاعل السياسي.

يعود عزوف الشباب عن السياسة إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها فقدان كبير للثقة في الأحزاب والمؤسسات السياسية التي غالبًا ما تُنظر إليها على أنها هياكل تقليدية لا تمثل طموحاتهم أو تعالج قضاياهم الحقيقية. كما أن هذه الأحزاب تعاني من ضعف في التأطير السياسي، حيث لا تستخدم لغة الشباب ولا تواكب اهتماماتهم المتغيرة. وإلى جانب ذلك، تلعب الظروف الاقتصادية والاجتماعية دورًا حاسمًا؛ فالشباب المثقلون بهموم البطالة والتعليم وتأمين مستقبلهم يرون أن أولوياتهم بعيدة عن النقاشات السياسية التي يعتبرونها غير مجدية. ويضاف إلى ذلك صورة سلبية مترسخة عن السياسة، حيث تُربط غالبًا بالفساد والمصالح الضيقة والصراعات الشخصية بدلًا من خدمة الصالح العام.

وتتجلى نتائج هذا العزوف في عدة مستويات، أولها فراغ واضح في المشهد السياسي، ما يؤدي إلى غياب التجديد في صفوف النخب التي تظل أسيرة الوجوه القديمة والأفكار التقليدية. هذا الواقع يفضي إلى ضعف المشاركة في الانتخابات والاستحقاقات الديمقراطية، ما يقلل من شرعية العملية السياسية ويضعف قدرتها على التعبير عن إرادة الشعب. كما يترك غياب الشباب الساحة مفتوحة أمام هيمنة الفئات التقليدية على مراكز القرار، وهو ما يحد من قدرة النظام السياسي على التكيف مع التحولات المجتمعية. وفي النهاية، يشكل هذا العزوف تهديدًا مباشرًا لمستقبل الديمقراطية والتنمية، لأنه يحرم المجتمع من طاقات خلاقة يمكن أن تحدث فرقًا حقيقيًا في مسار البلاد.

ولمواجهة هذه الظاهرة، أصبح من الضروري اتخاذ خطوات جريئة تعيد الثقة إلى الشباب وتعيد ربطهم بالحياة السياسية. ويبدأ ذلك بتجديد الخطاب السياسي ليكون أكثر ملاءمة لتطلعات الجيل الجديد، مع التركيز على القضايا التي تهمهم بشكل مباشر مثل التشغيل والتعليم والعدالة الاجتماعية. كما يجب إشراك الشباب في مراكز القرار وفتح المجال أمامهم لتحمل المسؤولية وتطبيق أفكارهم على أرض الواقع. ولا يقل عن ذلك أهمية دعم برامج التكوين والتأطير السياسي التي تهدف إلى توعية الشباب بدورهم الحيوي في بناء مجتمعهم. والأهم من كل ذلك هو تعزيز الثقة عبر جعل السياسة قريبة من حياتهم اليومية، لا مجرد شعارات فضفاضة أو وعود مؤجلة.

إن إقصاء أو عزوف الشباب عن المشاركة السياسية لا يمثل مجرد مشكلة فردية، بل هو خسارة وطنية كبرى. فشباب اليوم هم قادة المستقبل، واستبعادهم من صناعة القرار يعني إضعاف الأسس التي سيبنى عليها الغد. ومن هنا، تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة بناء جسور الثقة بين الشباب والمشهد السياسي، وفتح المجال أمامهم ليكونوا فاعلين لا مجرد متفرجين، حتى يسهموا بفاعلية في بناء مجتمع أكثر عدلًا وديمقراطية وازدهارا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *