“الدرهم يغتال الأشجار”.. مطالب حقوقية تستعجل التحقيق في صفقة اجتثاث غابة بوسكورة

تفجرت فضيحة بيئية جديدو بمدينة الدار البيضاء، وتحديدا بغابة بوسكورة، حيث أثارت صفقة عمومية أطلقتها الوكالة الوطنية للمياه والغابات جدلا واسعا بعد تحولها من مشروع لتنقية الغابة من الأشجار الميتة إلى عمليات اجتثاث شامل للأشجار الخضراء واليابسة على حد سواء.
وأصدر المرصد المغربي لحماية المستهلك، بشراكة مع المرصد الوطني لتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد وحماية المال العام، بلاغا شديد اللهجة عبر فيه عن قلقه العميق واستنكاره الشديد لهذه الممارسات التي وصفها بأنها “إبادة حقيقية للغابة”.
وحسب المعطيات المتوفرة لدى جريدة “العمق المغربي”، فإن “الصفقة العمومية رقم 07.A.O 01/2024، التي كان الهدف منها – بحسب وثائق المشروع – تنقية الغابة على مساحة تفوق 150 هكتار، تحولت عمليا إلى اقتلاع الأشجار من الجذور، في تناقض صارخ مع ما ورد في اليافطة التقنية”.
فبدل أن تقتصر الأشغال على إزالة الأشجار اليابسة والمتساقطة حفاظا على التوازن البيئي، تبين – وفق ما وثقته فعاليات جمعوية ومتابعون للشأن البيئي – أن الأشجار الخضراء أيضا تعرضت للإزالة بشكل ممنهج، وهو ما يهدد الغطاء الغابوي الاستراتيجي الوحيد الذي تتنفس عبره العاصمة الاقتصادية.
وسبق وأن وجهت فعاليات جمعوية وحقوقية مراسلة إلى عامل إقليم النواصر، أكدت فيها أن ملف اجتثاث الأشجار بغابة بوسكورة بإقليم النواصر يعيش على وقع جدل واسع، بعدما عادت الشركة المتعاقدة “STE GROUPE AMMARDI” لمباشرة عمليات قطع الأشجار، رغم أن السلطات المختصة سبق أن أوقفتها بقرار رسمي إثر خروقات وتجاوزات وُصفت بـ”الخطيرة”.
وطالب المرصد الوطني لتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، من عامل إقليم النواصر، بتوضيح مبررات السماح للشركة باستئناف الأشغال رغم تسجيل خروقات مرتبطة بقطع الأشجار الحية والسليمة، في تناقض مع ما هو مثبت في اللوحات الإعلامية المعلقة بمحيط المشروع، والتي تشير إلى أن العملية تقتصر على الأشجار الميتة والمتضررة.
وأكد المرصد في مراسلته تم تحريرها خلال شهر يوليوز المنصرم أن استمرار الأشغال بنفس “المعايير التخريبية” السابقة يثير شكوكا كبيرة لدى الفعاليات الجمعوية والحقوقية، التي سبق أن عبرت عن استنكارها لهذه الممارسات، معتبرة إياها تهديداً مباشراً للثروة الغابوية ولمساعي الدولة في الحفاظ على التوازن البيئي.
وأشار المرصد إلى أنه سبق أن راسل السلطات المختصة بخصوص هذه التجاوزات بتاريخ 24 و27 دجنبر 2024، وأعاد تذكيرها بالموضوع في أبريل 2025، دون أن يتوصل لحد الساعة بإجابات واضحة حول خلفيات هذا القرار.
ويستند المرصد في موقفه إلى القوانين المغربية الخاصة بحماية الغابات، وإلى الاستراتيجية الوطنية “غابات المغرب 2020-2030″، التي تهدف إلى تنمية الغابات وزيادة المساحات الخضراء وتحسين الإطار المؤسساتي والقانوني لهذا القطاع الحيوي.
وختم المرصد مراسلته بالتأكيد على ثقته في السلطات المختصة من أجل حماية الغابة من أي استغلال غير مشروع، داعيا في الوقت ذاته إلى توضيح الأسباب الحقيقية التي دفعت للسماح للشركة باستئناف الأشغال المثيرة للجدل، حفاظا على الشفافية وضماناً لحق المواطنين في المعلومة.
وأكد حسن أيت علي، رئيس المرصد المغربي لحماية المستهلك، أن ما يحدث في غابة بوسكورة من اجتثاث واسع النطاق للأشجار لا يمكن وصفه إلا بـ”الفضيحة البيئية”، مشيرا إلى أن هذه الممارسات تمثل اعتداء مباشرا على آخر المتنفسات الخضراء داخل إقليم النواصر، بل وتشكل تهديدا للتوازن الإيكولوجي بجهة الدار البيضاء سطات بأكملها.
وأوضح أيت علي، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن المرصد سبق أن وجه مراسلة رسمية إلى عامل إقليم النواصر، طالب فيها بوقف الأشغال التي وصفها بـ”الكارثة البيئية”، وقد تمت الاستجابة لهذا الطلب في مرحلة أولى، غير أن الأشغال استؤنفت من جديد، وهو ما اعتبره إصرارا غير مفهوم على تدمير رئة بيئية حيوية تعتبر المتنفس الوحيد لسكان العاصمة الاقتصادية ومحيطها.
وأضاف المتحدث أن “الاستمرار في هذه الممارسات ينعكس سلبا على جودة الهواء ويقضي على التنوع البيولوجي للغابة، التي تعد موطنا طبيعيا لمجموعة من الكائنات الحية”، مشيرا إلى أن فقدان هذا الفضاء الغابوي ستكون له آثار بعيدة المدى على صحة السكان وعلى المناخ المحلي، خاصة وأن الدار البيضاء تعاني أصلا من تلوث هوائي مرتفع وكثافة سكانية متزايدة.
وكشف رئيس المرصد المغربي لحماية المستهلك أنه تم وضع شكاية لدى السلطات المختصة قصد التدخل العاجل واتخاذ قرارات حازمة توقف ما سماه بـ”النزيف البيئي”، مؤكدا أن المرصد لن يقف مكتوف الأيدي أمام ما يتعرض له هذا الموروث الطبيعي من تخريب ممنهج.
وشدد أيت علي في ختام حديثه على أن حماية غابة بوسكورة لم تعد مطلبا بيئيا فقط، بل أصبحت قضية مجتمعية بامتياز، تستدعي تعبئة جماعية من المجتمع المدني والمنتخبين والسلطات الوصية، حفاظا على حق الأجيال الحالية والمستقبلية في العيش في بيئة سليمة ومتوازنة.
اترك تعليقاً