وجهة نظر

رجاء اسمعوا صوت الشباب.. من أسلوب الاحتجاج إلى تغطية كل احتياج

مؤلم جدا ما نراه من مشاهد وصور مقززة، محدثة لندبات في النفوس تظل راسخة الأذهان بكل الأسى لما تعرض له شباب هذا الوطن في هذا الزمان، لقد خرج البعض منهم صادحا بصوت عال يريد التعليم الجيد والصحة الجيدة والشغل والكرامة، كل ذلك في قالب ضرورة محاربة كل مظاهر الفساد، في وطن الأكيد أن الكل يحبه ومعتز بالانتماء إليه رغم قساوة العيش ومرارة تحقيق الذات، فهل ما تم القيام به من قمع وتنكيل واعتقال هو الأسلوب الفعال ضد كل احتجاج مشروع دستوريا؟ أم أن الحوار والاستماع الجيد هو الحل الأمثل؟ والتجاوب مع المطالب الاجتماعية المشروعة هو السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار؟

الضرورة تفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى في زمن الثورة الرقمية، العمل على الحفاظ على المكتسبات الحقوقية في مغرب يريد أن يتموقع في موقع أحسن مما هو فيه، والواقع يبرز أن ما نراه هو انعكاس طبيعي لفشل حكومي ذريع وسياسات قطاعية اجتماعية غير مجدية، جعلت بلادنا تحطم رقما قياسيا في عدد الشباب بدون تعليم ولا تكوين ولا عمل، بلغ رقما مخيفا هو 4.2 مليون شاب حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2024، كما أن معدلات البطالة قد بلغت أرقاما غير مسبوقة في عهد حكومة أخنوش، لتصل إلى سقف 13.2 بالمائة عموما وأكثر من 40 بالمائة في صفوف حاملي الشواهد وما يقارب 45 بالمائة في المجال القروي حسب تقارير المندوبية السامية للتخطيط، فالتعليم والصحة هما أساس أي تنمية منشودة، وغير مقبول تماما هذا التوجه الليبرالي المتوحش بشأنهما في ظل خوصصة شاملة ومقنعة حطمت كل الأرقام في عمر حكومة تدعي أنها اجتماعية!، فالتجارة في كل شيء أصبحت هي العنوان الأبرز اليوم، وتضارب المصالح أصبح في نظر رئيس هذه الحكومة أمرا عاديا، وأن الهم كل الهم هو مراكمة الثروات ونهب الخيرات التي ينعم بها هذا الوطن.

السؤال المحير والمخيف اليوم، هو أن نخون كل من يحتج! وهو يرفع سقفا محدودا لمطالب اجتماعية صرفة، أمله بسيط في العلاج والتعليم والتكوين والشغل والعيش بكرامة، وهي مجالات تهم الجميع من المحتجين وغير المحتجين وحتى كل الأجهزة الأمنية باختلافها، التي تكلفت بتصريف الهاجس الأمني عبر قمع دينامية الفعل الاحتجاجي السلمي، وما يؤكد ذلك هو لجوء الغالبية العظمى من مختلف الفئات الاجتماعية كرها إلى التعليم الخاص إذا أردت نوعا ما تعليما “جيدا”، واللجوء ذليلا إلى قطاع صحي يبتزك لأجل تقديم علاج غير مضمون، فقط بشيك بنكي “مضمون”، حقا إنه الجنون في زمن الحيرة أمام رهانات التميز وأوراش التنمية المنشودة، فإن كنا قادرين على رفع التحدي الرياضي خاصة في مجال كرة القدم وتفوقنا فيه إلى حد كبير وتركنا العالم مندهشا لما بلغناه، فلنرفع أيضا كل التحديات لانطلاقة واعدة حقا في تعليمنا وصحتنا ونرتقي في كل المجالات على خطوط التوازي، ونحقق معنى مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل لخيرات هذا الوطن.

أظن أن الرسالة قد وصلت لمن يهمه الأمر، والمفروض هو أن نستمع لصوت الشباب جيدا، ونسمع كذلك صوت الحكومة النائمة اليوم أمام احتجاجات قائمة تتمدد، وما لذلك من مخلفات جراء الفَضّ والقمع والتنكيل والاعتقال والمحاكمات…، ليطرح السؤال أين هو الناطق الرسمي باسم الحكومة من كل هذا، بل أين هي الحكومة بأحرّ التعبير، التي كان عليها أن تعقد اجتماعا طارئا، اجتماع أزمة، وأن يكون التواصل والحوار الإعلامي أسلوبا مرجحا في التوعية والإرشاد وإعادة الأمور إلى نصابها بشكل ديمقراطي، يعكس أن البلاد قد قطعت فعلا أشواطا مهمة في مسار حقوق الإنسان وقطعت مع الماضي الأليم لكل مظاهر الانتهاكات الجسيمة، لكن للأسف الشديد فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف ننتظر من حكومة غير سياسية أن تقوم بما هي بعيدة عنه كل البعد؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *