أونبارك: خطاب الملك انتصر للجبل .. و”الأنانية السياسية” تقتل التنمية (فيديو)

اعتبر الخبير التربوي والباحث في الفعل السياسي وقضايا التنمية الترابية، إبراهيم أونبارك، أن الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية لم يكن مجرد خطاب عابر في سياق سياسي تقليدي، بل كان بمثابة محطة مفصلية في إعادة توجيه البوصلة التنموية الوطنية، خاصة أنه جاء في ظرفية استثنائية، تتزامن مع بداية العد التنازلي للحكومة الحالية، ووسط احتجاجات شبابية متصاعدة لجيل “زد”.
وخلال مروره في حلقة جديدة من برنامج “إيمي ن إغرم” الذي يبث على منصات جريدة العمق المغربي،، وصف أونبارك الخطاب الملكي بأنه حقوقي وأخلاقي وتنموي بامتياز. فحقوقيا، جاء الخطاب ليؤكد من جديد أن جميع المواطنين والمواطنات لهم نفس الحقوق والواجبات، مع دعوة واضحة إلى ممارسة الحق في المطالبة من داخل المؤسسات، في إطار يحترم الضوابط القانونية والمؤسساتية.
أما من الناحية الأخلاقية، فقد أبرز الباحث أن الملك اختار أن يفتتح ويختتم خطابه بآيات قرآنية، في إشارة إلى ضرورة استحضار البعد القيمي والضمير الأخلاقي في تدبير الشأن العام، مشددا على أن التنمية لا تُبنى فقط بالقوانين والتشريعات، بل بضمير حي ومسؤولية وطنية صادقة.
الأبرز في الخطاب، بحسب أونبارك، هو أن الملك انتصَر للجبل وللمناطق المهمشة، من خلال توجيه البوصلة التنموية نحو ثلاث أقطاب مركزية: الجبال، الواحات، والسواحل. وأكد الخبير أن الجبل في المغرب ليس مجرد تضاريس وعرة، بل هو جزء من ذاكرة الوطن وتاريخه ومقاومته، وهو المكان الذي احتضن أشرس المعارك من أجل الاستقلال والسيادة.
“حين يقول الملك إن الجبل يجب أن يحظى بحقوقه التنموية، فذلك ليس فقط اعترافا بتأخر التنمية في هذه المناطق، بل إعلان رسمي لرد الاعتبار لها”، يضيف أونبارك.
وشدد على أن تنمية المناطق الجبلية ليست ترفاً، بل ضرورة وطنية، مشيراً إلى أن نحو 30% من مساحة المغرب هي مناطق جبلية، ومع ذلك ما تزال تعاني من هشاشة في البنية التحتية، وغياب في العدالة المجالية، ونقص حاد في الخدمات الأساسية كالصحة، والتعليم، والماء، والكهرباء.
وفي تشريحه لواقع التنمية الترابية، لم يتردد أونبارك في تحميل جزء كبير من المسؤولية لما سماه بـ”الأنانية السياسية والحزبية”، التي قال إنها “تُحوِّل الجماعات والجهات إلى أدوات لتصفية الحسابات أو لخدمة الدوائر الانتخابية الخاصة، بدل أن تكون فاعلا حقيقيا في التنمية”.
وأوضح أن المنتخبين، وخصوصا في الجماعات القروية، يفتقرون للتكوين والقدرة على إعداد مشاريع حقيقية، وغالبا ما يتم استنساخ برامج لا تتماشى مع واقع وحاجيات السكان. كما اعتبر أن الجماعات في بعض المناطق أصبحت مجرد إدارات لتدبير اليومي، دون رؤية استراتيجية، بسبب ضعف الميزانيات ومحدودية الإمكانيات.
واعتبر الخبير في قضايا التنمية الترابية أن غياب التنسيق بين الجماعات والمجالس الإقليمية والجهوية والسلطات المحلية يشكل عائقا كبيرا أمام التنمية، حيث تعاني العديد من المناطق من سوء توزيع المشاريع، لا لشيء سوى أنها لا تنتمي لحزب الأغلبية أو لم تصوت على المرشح الفائز.
“في بعض الجهات، يتم توجيه المشاريع للدوائر التي صوتت لصالح حزب معين، بينما تُترك الدوائر الأخرى في التهميش، وكأنها ليست جزءاً من الوطن”، يقول أونبارك بنبرة نقدية واضحة.
في سياق متصل، نقل أونبارك شهادات حية من زيارته الأخيرة لإحدى مناطق الجنوب الشرقي، حيث أكد أن نحو 90% من تلاميذ الإعدادي والثانوي بتلك المنطقة يفكرون في الهجرة السرية، معتبرين أنها “مسألة وقت لا غير”. واعتبر أن هذا مؤشر خطير على فقدان الأمل لدى الشباب، وعلى فشل السياسات العمومية في إقناعهم بالبقاء والاستثمار في وطنهم.
“حين يصل شاب في عمر 15 سنة إلى قناعة أن مستقبله خارج الحدود، فذلك يعني أننا فشلنا جميعا، مؤسسات، جماعات، مجتمع مدني، وأحزاب”، يضيف الباحث.
ورغم تشخيصه الصارم، لم يخل حديث أونبارك من نبرة تفاؤل مشروطة، حيث أكد أن الحل لا يزال ممكنا، إذا وُضعت “اليد في اليد” بين جميع الفاعلين: الجماعات، الجهات، السلطات، المجتمع المدني، وعموم المواطنين.
ودعا إلى تبني عقل تدبيري ترابي يرتكز على تشخيص دقيق لحاجيات الساكنة، وخلق مشاريع حقيقية لا شعارات انتخابية، وتعزيز الشفافية، والتكوين المستمر للمنتخبين، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجاوز منطق “المناطق المحظوظة” و”المناطق المنسية”.
وشدد إبراهيم أونبارك على أن الخطاب الملكي الأخير هو بمثابة “عقد جديد” مع الوطن، ينصّ على أن لا تنمية بدون عدالة مجالية، ولا مستقبل بدون أخلاق سياسية، ولا أمل بدون مشاركة جماعية، مضفا: “إذا كنا نريد فعلا أن نُحقق التنمية ونواجه الهجرة ونبني مستقبلاً أفضل لأبنائنا، فعلينا أولاً أن نقتل الأنانية السياسية… ونُحيي الوطن في داخلنا”.
تعليقات الزوار
السلام شرح مفصل ما شاء الله بالتوفيق