كوكاس: كثر الصحفيون وقلت الأخبار.. وأنا “ساخر عاشق” أمارس وعيا نقديا لا معارضة(فيديو)

حل الكاتب والإعلامي عزيز كوكاس ضيفا على برنامج “جسور” الذي تبثه جريدة “العمق”، في حوار موسع تطرق فيه إلى مساره المهني الذي بدأ من أقسام التدريس قبل أن يقوده “العشق” إلى عالم الصحافة.
وخلال اللقاء، وجه كوكاس نقدا لاذعا لواقع الإعلام المغربي اليوم، معتبرا إياه “مؤسفا” ومهددا بـ”ثقافة التفاهة” التي يروج لها المؤثرون، كما أوضح طبيعة كتاباته النقدية، مؤكدا أنه يمارس “وعيا نقديا” من منطلق “الساخر العاشق” لوطنه، لا كـ”معارض مدمر”.
واستهل عزيز كوكاس حديثه بالكشف عن أن شغفه بالصحافة كان ملازما له منذ مرحلة مبكرة، حتى قبل أن يبدأ مساره المهني كأستاذ بين عامي 1989 و1992. وروى كيف أن هذا “العشق الدفين” قاده إلى طرق أبواب الصحافة، حيث رُفض طالبا في المعهد العالي للصحافة بالرباط، ليعود إليه لاحقا “مدرسا ومحاضرا”.
ووصف كوكاس بداياته في “جريدة الزمن”، أولى الجرائد المستقلة، بأنها جاءت “بالصدفة فيما يشبه حادثة سير”، مشيرا إلى أنه في تلك الفترة، كان يزاوج بين مهنة التعليم التي أحبها، وبين ممارسة الصحافة التي اعتبرها “فنا” و”مجالا إبداعيا”، لدرجة أنه اشتغل لسنوات “مجانا” دون أن يتصور تقاضي أجر عليها.
وأوضح أنه لم يصبح صحفيا مهنيا، يحمل بطاقة المهنة، إلا بعد أن غادر التعليم عبر “التقاعد النسبي”، مشيرا إلى أن الجيل القديم من الصحفيين الكبار (مثل محمد باهي وعبد الجبار السحيمي وعبد الكريم غلاب) “كانوا أكبر من البطاقة” لأن “أولوياتهم كانت هي الحب” للمهنة.
وعند تقييمه لوضع الصحافة المغربية اليوم، لم يتردد كوكاس في وصفه بـ”المؤسف حقا”. ورغم إقراره بالتطور الحاصل على المستوى التقني والقانوني ودخول المرأة بقوة للمجال، فإنه انتقد بشدة تراجع الجودة والمضمون.
وقال كوكاس: “كثر الصحفيون وقلت الأخبار، كثرت المؤسسات الإعلامية وقلت الجودة الإعلامية”، معتبرا أن “وسائط التواصل الاجتماعي افترست الإعلام” وأفقدت لقب “الصحفي” وزنه الاعتباري الذي كان يتمتع به.
كما انتقد بشدة تراجع جودة التكوين الصحفي، الذي أصبح “تقنيا” يركز على “الديبلوم” قبل الكفاءة، مما أدى إلى ظهور صحفيين يرتكبون “أخطاء إملائية فادحة”، وفقدان “العمق الإنساني” الذي كان يغذيه مثقفون ورجال تعليم أغنوا الصحافة في الماضي.
وأكد كوكاس على صحة مقولته السابقة بأن “الصحفي بات مطالبا أن يكون مؤثرا لا مفكرا، أن يجذب لا أن يقنع، أن يلهي لا أن ينير”، معتبرا أن هذا الكلام “يصح الآن أكثر مما قلته قبل سنوات”.
ووصف موجة المؤثرين بأنها، في غالبها، “ثقافة التفاهة” و”الفرجة”، حيث أصبح “كل شيء فرجاوي”، منتقدا سعيهم لـ”خلق البوز” و”إثارة الفقاعات” بدلا من المساهمة في نقاش عمومي رصين، قائلا: “التيار التسونامي القادم هو كله بعد التفاهة والبحث عن لي جيم واللايكات أكثر من المساهمة في خدمة البلد”.
ولحماية “اليرعات” (البراعم) المضيئة الباقية في المشهد، دعا كوكاس إلى ضرورة إدراج “تنشئة إعلامية” في المقررات الدراسية لتعليم الناشئة الوعي النقدي، وتقوية المقاولات الصحفية عبر “مواثيق للتحرير” تضبط الممارسة المهنية.
وردا على سؤال حول كتاباته اللاذعة، خاصة في مؤلفه “براد المخزن ونخبة السكر”، وما إذا كان يعتبر نفسه “معارضا”، نفى كوكاس هذا التصنيف، قائلا: “أنا أمارس وعيا نقديا. قدر لنا أن نكون منتسبين لصحافة النقمه لا لصحافة النعمة”، مشيرا إلى ما تعرض له من مضايقات كـ”المحاكم وسحب الأعداد من السوق والمنع من الإشهار عقابا لنا على خطنا التحريري”.
وفضّل كوكاس تصنيف نفسه في خانة “الساخر العاشق” على “الكاره المدمر”، مؤكدا أن نقده نابع من “حب” لبلده ورغبة في الإصلاح، متسائلا: “ما معنى أن تكون صحفيا إذا لم تكن ضد الفساد؟”.
وحول استخدامه المتكرر لمفهوم “المخزن”، أكد أنه ليس مفهوما “بائدا”، بل هو “بنية أساسية في الدولة ونظام الحكم في المغرب”، تطورت وتكيفت مع الزمن لكنها لم تختفِ، ويجب فهمها لا رفضها بشكل متسرع.
في جانب آخر من الحوار، وصف كوكاس هويته الأدبية بـ”المتشظي” و”المتعدد”، فهو يكتب الشعر والقصة والرواية والنقد، معتبرا أن “الكتابة هي التي تختار جنسها” كالحمم البركانية التي ترسم طريقها.
وعن الكتابة في قضية الصحراء المغربية، أشار إلى أن الصحفيين أصبحوا “مرددين لسرديات” دون اجتهاد، مؤكدا أنه يكتب “بقناعة” ويحاول تقديم “رؤية مغايرة” تخدم المغرب. ولفت إلى أن القيود لا تأتي من السلطة فقط، بل “المجتمع نفسه” لديه “أشكال مقاومة” و”حصون وخنادق” تمنع الخوض بحرية في مواضيع معينة.
واختتم كوكاس حواره بلمسة إنسانية مؤثرة، متحدثا عن فخره الكبير بابنته البكر، التي أصبحت “أول مغربية خريجة جامعة مغربية في تخصص طب الشيخوخة (لاجيغياتري)”، معربا عن اعتزازه بكونها، كـ”بنت المدرسة العمومية”، قررت “ألا تغادر المغرب” رغم الإغراءات، لتصبح اليوم “بروفيسور” في تخصص نادر وحيوي لمستقبل المجتمع المغربي.
اترك تعليقاً