أمين السعيد: دعم المرشحين الشباب سيقلب موازين الانتخابات المقبلة في المغرب
أكد أستاذ القانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس، أمين السعيد، أن تعديل مشاريع القوانين التنظيمية الجديدة المتعلقة بالانتخابات والأحزاب ستحدث تحولا نوعيا في المشهد السياسي المغربي، معتبرا أن المحطة الانتخابية المقبلة ستكون مختلفة جذريا عن سابقاتها بفضل هذه التغييرات في حالة توفير البيئة السياسية المشجعة.
وأوضح السعيد، خلال استضافته في برنامج “صدى الأحداث” على قناة “ميدي 1 تيفي”، أن الإشكالية الكبرى في المغرب تكمن في الدوائر الانتخابية المعقدة التي تشمل جماعات ذات طابع قروي ومدنا وأحياء شعبية، بالإضافة إلى دوائر كبرى تتطلب إمكانيات مالية ضخمة، مشيرا إلى أن الحد الأدنى لتكاليف أي حملة انتخابية، يقتضي موارد كبيرة لتغطية مصاريف الترويج والتواصل مع الناخبين، من طباعة للمنشورات واستئجار للمقرات والسيارات.
وأضاف أمين السعيد أن الدوائر الانتخابية تنقسم إلى فئات متعددة، منها ما يضم ثلاثة أو أربعة مقاعد، وصولا إلى دوائر كبرى بستة مقاعد وصف مساحتها بأنها قد تساوي مساحة دول مثل قطر أو بلجيكا، ما يعكس حجم التحدي المالي، معتبرا أن التوجه الجديد، الذي يعكس اهتماما ملكيا وتوجيها من وزارة الداخلية، والقاضي بتعويض المرشحين الشباب دون 35 سنة بنسبة 75 في المئة من مصاريف حملاتهم، سيقلب الموازين ويجعل الانتخابات المقبلة مغايرة تماما.
وتابع المحلل السياسي ذاته أن هذا التحول يمثل انقلابا على القاعدة التي سادت منذ أول انتخابات عام 1963، والتي كانت تضع شروطا معقدة أمام المستقلين بهدف الدفع نحو الأحزاب، أما اليوم فالتوجه هو نحو تسهيل بروز تيار المستقلين، مستشهدا بتجارب دولية مقارنة، مثل صعود حركة “بوديموس” من المستقلين في إسبانيا، و”حركة النجوم الخمس” في إيطاليا، و”سيريزا” في اليونان، كأمثلة على القوة التي يمكن أن يكتسبها هذا التيار.
وختم أمين السعيد تحليله بالقول إن بروز نخبة سياسية جديدة من المستقلين، لا تنضبط للمرجعيات اليسارية أو اليمينية التقليدية ولا تخضع للحسابات التكتيكية، من شأنه أن يحدث زعزعة حقيقية في اللعبة السياسية المغربية. لكنه نبه إلى أن نجاح هذا الحلم السياسي مرهون بتوفير مناخ سياسي عام وواسع يواكب هذه التشريعات، محذرا من أنه بدون هذا المناخ قد تجهض هذه الفكرة الطموحة وتصطدم بنتائج كارثية تؤدي إلى الإحباط.
وفي ذات السياق ، أوضح الأستاذ أمين السعيد في تصريح لجريدة “العمق” أن نجاح هذا المسار يظل رهينا بمدى اعتماد مقاربة مرنة وميسّرة في تنفيذه، لا سيما فيما يتعلق بتوضيح شروط الترشحح وتدقيقها، مع ضرورة تفادي تعقيدها بإجراءات بيروقراطية مرهقة قد تثني الكثيرين عن المشاركة، مشددا على أهمية توفير بيئة ملائمة ومقومات داعمة لضمان فعالية هذا التوجه، وفي مقدمتها تقديم دعم مالي مباشر وشخصي للمرشحين، وإعادة النظر في آليات التسجيل في اللوائح الانتخابية بهدف استقطاب قاعدة جديدة من الناخبين، إلى جانب تسهيل وصول المرشحين المستقلين إلى المنابر الإعلامية الرسمية والرقمية، بما يتيح لهم فرصة عرض آرائهم وخطاباتهم للجمهور.
وفي المقابل، نبه السعيد إلى وجود عراقيل موضوعية وبنيوية قد تعرقل ما وصفه بـ”أمل ولادة بديل سياسي مستقل في المغرب”، مبرزا أن أولى هذه العراقيل تكمن في رسوخ وتجذر شبكات انتخابية تقليدية، خاصة في المناطق القروية والدوائر الكبرى، حيث تنشط مجموعات وصفها بـ” الكائنات الانتخابية”، أما الإشكال البنيوي الثاني، فيرتبط بغياب مرجعية سياسية واضحة لدى المستقلين، ما قد يدفع ببعضهم إلى تبني خطاب شعبوي غير متماسك، كما ظهر في تجارب دول أخرى.
وأضاف أمين السعيد أن التحدي الثالث يتمثل في محدودية خبرة المستقلين في خوض غمار الانتخابات، خصوصا في ما يتعلق بإدارة الحملات الانتخابية ضمن سياقات اجتماعية مغربية معقدة، سواء في القرى أو الأحياء الشعبية، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، معتبرا أن استمرار تأثير المال الفاسد في العملية الانتخابية يمثل عائقا كبيرا، مؤكدا أن تحصين المسار الانتخابي وتشديد العقوبات القانونية من شأنه أن يفتح المجال أمام بروز تيار مستقل قادر على إحداث تغيير سياسي حقيقي.



اترك تعليقاً