وجهة نظر

بنعباد يكتب..الإسلاميون والربيع.. الوجه الآخر للمسؤولية

حسنا فعلت الحركة الإسلامية يوم رفضت التورط في الدعوة إلى “عسكرة” الربيع الديمقراطي، وتجنبت الالتزام بمخرجات “مؤتمر القاهرة”، بل واعتذر بعضها عن المشاركة فيه، والذي كان بحق “مصيدة” لها ما بعدها سياسيا وأمنيا.

ومع ذلك أخطأت الحركة الإسلامية نفسها حين سكتت عن مصاحبة أبنائها والمجتمع، بزاد تكويني معرفي عن بلاد الربيع والثورات المسلحة، وتركتهم عرضة لدعاية “المخابرات الدولية” وصنائعها “السلفية الجهادية” ثم “المشاريع المعادية للوحدة والحرية والديمقراطية “.

عندما تخلت الحركة الإسلامية عن وظيفة تأطير أبنائها والمجتمع بالوعي الصحيح حيال قضايا “الأمة”، التي تم تلخيصها في فلسطين وحدها لا شريك لها. ملأ الفراغ والمشهد “مشايخ”، سواء شيوخ “السلفية الجهادية” أو باقي “السلفيات”، وأجهزة الدعاية التي أصبح لها حضور في الإعلام الدولي (الجزيرة مثلا) وفي الإعلام البديل (مواقع التواصل الاجتماعي).

أصبح أبناء الحركة الإسلامية ضحايا خطاب واحد وواحدي، هو بالقطع ليس وطنيا، وقد يكون أي شيء آخر غير أن يكون إسلاميا، خطاب “طائفي” يلغي الأخوة في الوطن، خطاب ينفي الشراكة في الإنسانية، وإلغائي يسقط النظير في الخلق.

الإعلام الكبير ذو الأدوار الطليعية في التغيير، كقناة “الجزيرة”، ومن يسير في فلكها، التي قالت لنا ذات ربيع إنها صوت الإنسان الطامح للحرية والعدالة والكرامة، أصبحت عندها “داعش” هي “الشعوب”، و”القاعدة” وبناتها هي “الأمة”، وأصبح أبناء الحركة الإسلامية بقدرة “فاعل مستتر” ضحايا هذه القناة وأشباهها التي تقود اليوم عبر مسؤوليها في العراق حربا “طائفية” مضادة على حرب طائفية “أصلية”، وكأن “الطائفية” هي المخرج من أزمة الشعب والدولة والوطن في العراق.

ليست الطائفية تقابلنا الحتمي، سنة وشيعة ودروزا وعلويين، عربا وأمازيغ وأفارقة وأكراد وفرسا، غير أن هذا الإعلام الضخم يواصل تلاعبه بعقول البسطاء الوثوقيين، وانتقل إلى مرحلة من الدعاية “الفجة” و”الوقحة” لخطاب ذوي العاهات وشذاذ الآفاق، الذين غدت إصداراتهم “هوليودية” كلها، حتى جرائمهم من ذبح وحرق وإغراق وتفجير، تحظى بتحليل وزمن وضيوف وأموال، تناقش أبعاده “التقنية” و”الفنية” و”الجمالية”، وأصبحت الجريمة “مشهدا” و”مقطعا” من سردية “الإبداع”.

رغم كل هذا القصف الذي تتعرض له الأجيال الناشئة من الإسلاميين، تواصل التنظيمات الأم سياساتها غير عابئة بمسؤوليتها الأخلاقية تجاه أبنائها ومجتمعاتها، وأكبر منه واجبها تجاه شعوب “تباد” ويعمل فيها القتل صباح مساء، وطفولة إن عاشت فعلى اليتم والحرمان تكبر، وحياة إن وجدت فعلى الأنقاض وبين الركام والخراب.

الحركة الإسلامية في الوطن العربي ليست هانئة مرتاحة، بل بعضها يدافع عن حقه في الوجود (مصر)، وبعضها يدافع عن مجتمعه في الكينونة (تونس)، وبعضها منشغل بتحقيق آمال الانتقال الديمقراطي (المغرب)، ومع ذلك هي مطالبة بعدم ترك المجال لغيرها للتأطير والتنشئة.

صحيح أن المحافظة على الأوطان في زمن الفوضى والعبث والثورة المضادة، أولى الأوليات وأكبر الغايات والأهداف والمقاصد، غير أن إغفال الإقليم والمحيط و ما يعتمل فيه خطأ استراتيجي، ليس أقل منه إفراغ فضاءات الوعي والتثقيف من الأصوات العاقلة، بما يفسح المجال لمعطوبي القلوب والعقول أن يعتلوا منصات التوجيه فتقع الحالقة.

المطلوب من الحركة الإسلامية اليوم، إزالة الغشاوة عن أبنائها والمجتمع، كما تنبيههم إلى أن ثورات الربيع يحميها “وطنيون” مقاتلون دفاعا عن الوطن الواحد الموحد (سوريا والعراق)، ساعون لبناء نظام ديمقراطي تعددي، السيادة فيه للشعب يفوضه انتخابيا لمن أراد، لا “جهاديون” عابرون للخرائط والحدود، خدم لمشاريع التفتيت والتجزئة والتفكيك، فـ”داعش” و”النصرة” مراحل متقدمة لإجهاض الربيع، ومحطة عليا من مراحل “للثورة المضادة”.

كاتب وصحافي