وجهة نظر

إلى “مارتن زيخرس” الذي كان واحدا منا

“كنت واحدا منهم” هو العنوان الذي اختاره الصحفي الهولندي مارتن زيخرس لكتابه الذي صدر حديثا والمعروض حاليا للبيع. وقصة الكتاب كما يرويها مؤلفه أنه أراد أن يعرف الكثير عن حياة المسلمين في هولندا وأحوالهم. وليقترب منهم بشكل أكبر، اعتنق دينهم وأقام شعائرهم وسكن في حي غالبية سكانه من المسلمين في مدينة دينهاخ الهولندية.

استمرت فترة النفاق التي قضاها مارتن بين المسلمين ثلاث سنوات، كان حريصا خلالها على الظهور بمظاهر المتدينين منهمحيث أطلق لحيته وقصر قميصه وحاول الحفاظ على صلواته جماعة في المسجد. وحتى صلاة الصبح التي يتقاعس عنها الكثير من المسلمين، كان أخونا “السابق” يؤديها في المسجد! ولكسب مزيد من الثقة، شرع مارتن في حفظ القرآن الكريم وتسنى له بالعل حفظ أجزاء منه،الشيء الذي أكسبه ثقة زائدة بين المسلمين جعلتهم يفتحون له قلوبهم وبيوتهم وينزلونه منزلة الأخ والحبيب إلى درجة أن بعضهم اقترح عليه أن يصلي بهم إماما أثناء أحد اللقاءات التي عرفت حضورا مكثفا للمسلمن! لكن “الأخ” مارتن رفض هذا الطلب كما قال.والحمد لله إذ رفض. ولو لم يرفض وصلى بالمسلمين إمامالعنون كتابه ب”كنت إمامهم” بدل”كنت واحدا منهم”.

بعد ما وصل مارتن إلى مبتغاه وجمع ما يريد من معلومات، قلب للمسلمين ظهر المجنّ وهجرهم ودينهم وهاجر أحياءهم واختفى عن أعينهم…!

ظهر مارتن من جديد، لكنه ظهر بغير الشكل والوجه والدين الذي عرفه به المسلمون! خلع القميص وحلق اللحية وتنكّر للإسلام الذي لم يعتنقه أصلا كما يقول وإنما تظاهر باعتناقه ليصل إلى مبتغاه! ظهر مارتن ومعه كتابه المعنون أعلاه والذي دوّن فيه ما جمعه من معلومات عن المسلمين. ولأن الإسلامفوبيا قد انتشرت بين الأوروبيين في الوقت الراهن بشكل غير مسبوق، فلاشك أن الكثيرين منهم سيقبلون على شراء كتاب مارتن لأنه أوهمهم بأنهم سيجدون في الكتاب كل ما يجهلونه عن هذا “البعبع” (الإسلام والمسلمين). سيجني مارتن أموالا طائلة من مبيعات كتابه وسيكسب شهرة كبيرة عبر وسائل الإعلام شأنه شأن الكثيرين ممن جعلوا الطعن في الإسلام وسيلة لكسب الشهرة وربما المال أيضا.

ورغم أنني لم أر مارتن هذا من قبل ولست واحدا ممن خدعهم بشكل مباشر، إلا أن خاطري اشمأز كثيرا من هذا العمل الشنيع الذي قام به. فالكذب والغدر والخيانة صفات يجب إنكارها والإنكار على من اتصف بها بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه وبغض النظر حتى عن دوافعه. لأن الغاية لا تبرر الوسيلة عند من يحترمون أنفسهم وإنسانيتهم. ومن أراد تحقيقة غاية نبيلة فليختر لها وسيلة نبيلة أيضا.

فمن منطلق الإنكار والاستنكار أقول لصاحب هذه المغامرة:

هل كان لا بد أن تقوم بالذي قمت به؟ هل الرغبة في التعرف على المسلمين تبيح لك أن تقوم بالذي قمت به؟ هل تعرف جيدا ماذا يسمى هذا الذي قمت به؟ إنه النفاق والخداع والغش والكذب. إنها الخيانة والغدر…أنت إذا منافق وخدّاع وغشّاش وكذّاب وخائن وغادر…

كيف سمحت لنفسك أن تطعن أناسا من الخلف بعدما أحبوك وقربوك واعتبروك واحدا منهم؟ بل اقترحوك أن تصلي بهم إماما!كيف سمحت لنفسك بهذا السقوط المدوّي؟ أنت لست مسلما ولم تكن يوما مسلما كما قلت وبالتالي فلن أعول على وازعك الإيماني ليمنعك من الوقوع في ما وقعت فيه. لكن، أين ضميرك؟ أين فطرتك؟ أين إنسانيتك وأين مهنيتك؟ هل هان عليك أن تفقد هذا كله؟

اسأل نفسك بماذا عدت من خلال هذه التجربة البئيسة؟ وما هو هذا “الكنز الثمين” الذي فزت به واستحق فعلا أن تقوم بكل الذي قمت به من أجله؟ إن ما ستكتشفه حول المسلمين أمر باد للقاصي والداني. وإننا نحن المسلمين لا نخجل من ذكر عيوبنا وأخطائنا،فنحن نعلم أن منا كسالى لا يحبون العمل ومنا متطرفون ومتشددون ومنا من لا يقبل الآخر…لكن منا أيضا غير ذلك وهم السواد الأعظم من المسلمين الذين يسعون للعيش المشترك مع جميع البشر مهما اختلفت أديانهم وأجناسهم وألوانهم. ونحن في نقاش داخلي مستمر لتصحيح أخطائنا وتقويم اعوجاجنا. فهل ستأتي في كتابك بشيئ جديد غير هذا؟

لقد عبت في كتابك على المسلمين اعتمادهم خطابا مزدوجا في بعض الأحيان واختلاف مواقفهم بحسب وجود الغير من عدمه. وبغض النظر عن صدق دعواك هذه من كذبها، فإنني أستغرب كيف يبيح شخص مثلك لنفسه أن يعطي للغير دروسا في الصدق والصراحة ووحدة الخطاب! أنت الذي عشت ثلاث سنوات مزدوج الدين والشخصية والشكل والخطاب والتصرف وكل شيئ ولم تر في ذلك بأسا لأنغايتك “النبيلة” بررت لك كل الوسائل، تعيب على المسلمين ازدواجية الخطاب؟

إنني لست ضد دراسة الحالة الدينية والاجتماعية للمسلمين في الغرب واستخلاص الدروس والعبر منها قصد تصحيح ما يمكن تصحيحه. وهناك الكثير من الباحثين والمختصين من المسلمين وغير المسلمين الذين قاموا ولازالوا يقومون بهذا الأمر. لكن، بأوراق مكشوفة ومن مواقعهم الحقيقية وبأشخاصهم وهيآتهم وهوياتهم الحقيقية كذلك.ولم يفعلوا مثل الذي فعلت أيها “الأخ” بل “الإخّ” مارتن.
تصور معي:”لو أنك تعرفت على امرأة تقيم خارج هولندا وأبدت لك هذا المرأة كل الحب والحنان والصدق خلال فترة تعارفكما مما جعلك تقرر الزواج منها. تزوجت منها بالفعل وبذلت كل ما في وسعك لإحضارها إلى هولندا لتعيشا معا جنبا إلى جنب. قدمت لها الغالي والنفيس خلال الفترة التي جمعتكما. فبحت لها بأسرارك وأعطيتها حبك ووفاءك وإخلاصك ولم تبخل عليها بشيء أبدا.

لكن وبعد مرور مدة على زواجكما وبالضبط بعد حصولها على الإقامة الدائمة، تركت البيت وقررت الانفصال وباحت لك بالسر الذي كانت تخفيه طيلة مقامها معك فقالت: إنني لم أكن يوما أحبك وقد أوهمتك بذلك فقط لبلوغ رغبتي المتمثلة في الحصول على الإقامة.لم تكتف بذلك بل بدأت تنشر أخبارك وتفضح أسرارك أمام كل من يتربص بك”. أخبرنيبماذا ستشعر حينها؟إنه نفس الشعور الذي ينتاب المسلمين جراء فعلتك. ولقد ضربت لك هذا المثال لأنني علمت أنك بالفعل متزوج من امراة سورية.ومن يدري لعل الأقدار تذيقك من نفس الكأس التي أذقت المسلمين منها. أعني كأس الخيانة والغدر.

لعلني كنت قاسيا في حقك مارتن! فتقبل مني هذه الهدية التي اخترتها بعناية لتناسب مقامك. ولأنك حفظت أجزاء من القرآن فلا شك أنك تحبه! لذلك اخترت أن تكون هديتي لك آيات من القرآن الكريم، من كلام الله الذي جعلت الإيمان به وسيلة لبلوغ أهدافك الدنيئة. فاستمع ماذا يقول قول الله في حق أمثالك وماذا أعد لهم:(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَيُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَوَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَأَلَا إِنَّهم هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَوَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَوَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَاللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) البقرة(8-16)

في الختام أقول لإخواني المسلمين:

كفانا سذاجة! إلى متي نبقى ضحية استغلال ديننا وعواطفنا من قبل من لا خلاق لهم ونرفع فوق الشجر من يرمينا فيما بعد بالحجر؟ من أراد أن يسلم عن اقتناع فمرحبا بهلا نشك فيه ولا نبحث في نيتهبل نكل أمره إلى الله، لكنلا نرفع أحدا فوق قدره. وليس فقط لأن مارتن أو غيره مسلم جديد وجب أن ينال من المكانة ما لا يستحق!

إن ظاهرة النفاق والاندساس وسط المسلمين بغية التجسس عليهم والاستفادة من أخطائهم أمر ليس بالجديد. فقد قام بهذا العمل الكثيرون قبل مارتن ولا زال يقوم به آخرون حالياوهم مندسون بيننا ولا شك.ولن تنتهي هذه العملية أبدا مادام في الوجود من يرى في الإسلام خطرا يهدده!هناك من يتصيد أخطاءنا إذا ومن ينتظر بفارغ الصبر متي يصدر منا قول أو فعل يخدم مشروعه المعادي للإسلام، لذلك وجب أخذ الحيطة والحذر.

إن اعتماد خطاب وحيد لايختلف مضمونه سواء كنا فيما بيننا أو مع الغيرهو الطريق الأسلم للإفلات من هذه المصائد. إننا ننبذ العنف والإرهاب ونؤمن بمبدإ التعايش مع الآخر واحترامه وندعو إلى ذلك. فليكن خطابنا دائما في هذا الاتجاه مطابقا لهذا الفكر والتصور سواء في حضرة الآخر أو في غيابه. يجب أن يكون ما نقوله في البيوت ونسرّ به لبعضنا في الخلوات هو ما نصرح به للإعلام ونخطب به على المنابر، ما دمنا لا نفعل ذلك خوفا ولا مجاملة وإنما عن اقتناع. حينها فقط، لن يجد المندسون والجواسيس والمنافقون ما يسجلونه علينا. وسيعود مارتن وأمثاله بخفي حينين.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إن من شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه”.