مجتمع

الشعبي.. ولد الشعب الذي اخترق جدار البورجوازية المغربية وكسر نمطيتها

لم يكن ميلود الشعبي، الذي رحل مؤخرا إلى دار البقاء، فقط تلك الشخصية المصنفة ضمن أغنى أثرياء البلاد، مثلما ذكرته لمرات قائمة المجلة المتخصصة “فوربس” عن أغنياء المغرب، فمساره كان حافلا بالنجاح على أكثر من مستوى وصعيد، وأحبه الأغنياء والفقراء على السواء.

هو الشخصية العصامية الذي انطلق “صفر اليدين”، وعاش شعبيا مثلما هو اسمه، كما قال عنه رئيس الحكومة في جنازته، استطاع بعصاميته دخول عالم الكبار في المال والأعمال، لكنه هدد ما مرة بمغادرة البلاد مع أمواله بعدما ناله جحود الدولة.

الشعبي لم يلقى إنصاف الدولة في حياته ولا حتى بعد مماته، رغم إسهامه الكبير في اقتصاد وطنه وفي أعماله الخيرية المتعددة، ليغادر الحياة دون حتى أن يلقى التكريم الرمزي في جنازته بتلاوة بيان عزاء رسمي مثلما يُفعل مع باقي شخصيات الوطن.

ملأ الدنيا وشغل الناس

برؤية أخرى، شكل مسار حياته مدرسة لمن لا زال يبحث عن النجاح للاغتراف منها، ولو من دون أن تتوفر لديه شروط التعلم. فمدرسة الحياة، كما عرفها الشعبي، علمته الكثير، أليست هي التي أوصلته إلى أن يملأ الدنيا ويشغل الناس؟ !

كان الشعبي في حياته لا يتردد في أن يرجع عوامل بروز نجمه ونجاحه في عالم الأعمال إلى “الاكتواء بنار الخسارة وتذوق حلاوة النجاح”، في وصفة كان يعلم جيدا فعاليتها.

إلا أن هذا المسار الحافل في مجال الأعمال، لم يكن دائما يسير على ما يرام، بعد أن عبر الشعبي عن “طموحات” تتجاوز رجل الأعمال، وتلاقى فيها السياسي بالاقتصادي، وهو المؤسس لهولدينغ ضخم يضم أكثر من 70 شركة تشتغل في مجالات مختلفة.

بدأت الحكاية في العام 2011، مع الحراك، حراك حركة 20 فبراير في المغرب، في سياق حراكات ما سمي بالربيع العربي الذي جرف ما جرف من أنظمة ورؤساء، ودمر دولا بتحويلها إلى دول صارت توصف ب”الفاشلة” في القاموس السياسي لما بعد 2011.

تكسير الصورة النمطية للبورجوازي

كان الشعبي من أول المساندين للحركة في المغرب، بل إنه كان من أول السائرين وفي أول يوم رسمي للاحتجاج الفبرايري المطالب بإسقاط الفساد والاستبداد، في سابقة لم يعتدها المغرب مع “البورجوازيين” الكبار، الذين ألفنا اعتيادهم على الاكتفاء بما هم فيه من يسار وغنى، وما تجود به عليهم الدولة من ريع في إطار صفقات متبادلة، مكسرا بذلك الصورة النمطية للبورجوازي المغربي في الذاكرة الجمعية للمغاربة.

إلا أنه بدا للشعبي وجهة نظر مغايرة، وهو يصطف إلى جانب شباب حركة 20 فبراير، بالدعم المالي لها أيضا، بكل المضامين التي حملتها، وهو ما سيجني عليه غضب السلطة، وتبدأ معها مشاكل شركاته، كانت فكرته، أن تتوسع المبادرة لرجال الأعمال المغربي، وأن يتخلص من القيود التي تفرضها عليه ازدواجية دائرة القرار السياسي والتحكم الاقتصادي، ما يقيد من المبادرة الحرة.

ميلود الشعبي… الشعبي

كما كان الشعبي، إسما على مسمى، شعبيا حتى في أنشطته الاقتصادية، وهو صاحب “أسواق السلام” الذي “حرم” بيع الخمر فيها، نشاطه الاقتصادي، عُرف الراحل باهتمامه بالمجال السياسي، إذ كان نائبا برلمانيا لمدة 13 سنة، كما أنه أسس مؤسسة للأعمال الاجتماعية تحمل إسمه.

رجل أعمال عصامي، بمساره أثار الكثير من الاهتمام، هذا هو الشعبي الذي بدأ من الصفر وانتقل من طفل راعٍ للماعز، ولم يمنحه الحظ من الولوج إلى المدرسة دون كلل، ليصبح مالك مجموعة اقتصادية تضّم العشرات من الشركات التي تعمل داخل وخارج المغرب.

في إحدى أحاديثه، لم يخف الراحل الذي كان قد رأى النور في إحدى قرى مدينة الصويرة، 1929، من التصريح وهو يبوح بإحدى مغامراته، وهو لا يزال يافعا، حين هرب من بيت أبيه خوفا من عقابه له، قبل أن ينتقل إلى مراكش التي لم يجد فيها عملًا، ليشد الرحال عبر القطار إلى مدينة القنيطرة، بعد أن اقتنى له أحد المسافرين تذكرة، ومنها ينطلق مساره صغيرا من عامل في البناء، وتأسيس شركة صغيرة في مجال العقار، قبل أن يكبر حلمه ويصبح من مشاهير رجال الأعمال في المغرب.