وجهة نظر

المرجعية الأخلاقية بين العقل والفطرة‎

يمكن تعريف الأخلاق بأنها قيم يطمئن إليها الإنسان، باعتبارها شعور و سلوك ينظم علاقات الفرد مع غيره كالعدل و المساواة وتشعره بالحرية و الأمن الذي هو أساس كل حضارة، لكن هذه الأخلاق تختلف من مجتمع إلى مجتمع و من مكان إلى مكان، و تعتبر المعتقدات بصفة عامة سندا للأخلاق، و خصوصا منها الديانات السماوية، و الأخلاق في الإسلام هي الآداب و المعاملات التي حث عليها الإسلام و ارتكز عليها “إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق “.

ومصدر الأخلاق النظرية – كما يرى المهتمون بهذا الشأن – هو العقل، لكن أرى أن الأساس في الأخلاق هو ما لا يتناقض مع الفطرة و تطمئن إليه النفس وتتفق عليه العقول، كنبذ الظلم والانتصار للعدل و التكافل الاجتماعي .. لكن هذه الأخلاق أو القيم تخضع لتغييرات عبر الزمن، و ذلك تحت تأثيرات المصلحة و الخوف و العادة و التعود، فمثلا الشذوذ الجنسي الذي حرمته جميع الأديان، أصبح عبر الوقت مقننا ببعض المجتمعات، و العلاقات الجنسية خارج ميثاق الزواج أصبحت تعتبر حرية فردية تدافع عنها بعض الهيئات الحقوقية ببعض الدول، و الاستثمار في ” القوادة ” عبر ملاهي ليلية و دور الدعارة أمست مألوفة تحت ذريعة إنعاش السياحة و تشغيل اليد العاملة، و التعامل الربوي أو القرض بالفائدة أضحى من أسس الاقتصاد بجميع أرجاء العالم، وكذلك اعتبار الخداع و المؤامرة من قواعد السياسة، و الإرهاب و التطرف أصبح يمارس تحت غطاءات دينية، في حين ليس هناك أي معتقد أو منطق أو قانون يبيح القتل أو الظلم، فالديانات السماوية القديمة – قبل تحريفها – لم تتعاقب في نزولها على البشرية إلا من أجل تثبيت الأخلاق و ترسيخها وجعلها تنسجم مع الفطرة، و هكذا فإن الإسلام يعد مرجعية مثالية للأخلاق و القيم، سواء بالنسبة للمسلمين أو غير المسلمين، لما يتضمنه من مبادئ أخلاقية لم تتغير و لن تتغير طبقا لاستحالات تحريف القران الكريم (إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) الآية 9 سورة الحجر ، ويقترن الدين الإسلامي بمعاملات ترتكز على العدل المرتبط بحرية المعتقد و التصرف بحرية في إطار احترام حرية و حقوق الأخر، فالجزية لم تفرض على غير المسلمين إلا من أجل عدم إكراه الشريحة الغير مسلمة على الفرض الخامس الذي هو الزكاة، لا إكراه في الدين، وقد كانت تفرض الجزية على أهل الذمة – أي غير المسلمين الذين هم في حماية الدولة الإسلامية -كضريبة مقابل الخدمات المقدمة لهم داخل المجتمع الإسلامي، و كذلك كضمان اجتماعي بعد عجزهم، حيت كان يعفى من هذه الجزية أو الضريبة الأطفال و النساء و الفقراء و المرضى وذوو الإعاقة منهم، لأن مصدر الأخلاق في الإسلام هو الوحي الذي يجعل الإنسان يشعر بمراقبة الله سبحانه و تعالى له، أما مصدر الوجوب و الإلزام في الأخلاق الغير إسلامية هو الضمير الذي يختلف من شخض إلى أخر، والذي يمكن أن يتزعزع تحت ضغط الزمن و المكان و الموقف.