مجتمع

“البوفا”.. السم الزهيد الذي يتسلل إلى المدارس ويهدد صحة ومستقبل التلاميذ

مع انطلاق الدخول المدرسي، تتزايد المخاوف من تفشي ظاهرة استهلاك مخدر “البوفا”، المعروف بـ”كوكايين الفقراء”، والذي بات يشكل تهديدا حقيقيا لشريحة واسعة من الشباب والمراهقين في عدد من المناطق المغربية. خطورة هذه المادة لا تكمن فقط في سهولة تداولها ورخص ثمنها، بل أيضا في آثارها الصحية والنفسية والسلوكية الخطيرة التي تؤرق أسر الضحايا وتقلق المهنيين في قطاع الصحة والإدمان.

ويزداد القلق من هذه الظاهرة مع تواتر تقارير تشير إلى تسلل مخدر “البوفا” إلى الوسط المدرسي، حيث سجلت حالات متزايدة لتعاطيه بين تلاميذ في مستويات إعدادية وثانوية، خصوصا في بعض الأحياء الشعبية والمناطق الهشة. وتشير شهادات أولياء أمور وأطر تربوية إلى رصد سلوكيات غير معتادة لدى بعض التلاميذ، من بينها التوتر الزائد، فقدان التركيز، الغياب المتكرر، والعنف داخل الفصول الدراسية، وهو ما دفع عددا من المؤسسات التعليمية إلى دق ناقوس الخطر.

وتفيد مصادر جمعوية وحقوقية أن شبكات ترويج المخدرات باتت تستهدف محيط المدارس، عبر وسطاء صغار، مستغلة ضعف المراقبة الأمنية في بعض المناطق، وهشاشة الفئات المستهدفة، والرغبة في تجربة “الإثارة السريعة” التي يعد بها هذا المخدر الرخيص.

ويحذر مهنيون في قطاع التربية من خطورة تفشي هذه الظاهرة على مستقبل التلاميذ، مؤكدين أن الوقاية داخل المدرسة يجب أن تكون شاملة، تشمل التحسيس بخطورة المخدرات، مراقبة محيط المؤسسات، وتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي داخل الفضاء المدرسي.

في هذا السياق، أوضح الدكتور عبودي عادل، طبيب مختص في طب الإدمان، أن ما يجعل مخدر “البوفا” شديد الخطورة هو قدرته العالية على إحداث الإدمان من أول أو ثاني استعمال، ما يجعله من أخطر المواد المخدرة المستهدفة لفئة المراهقين والشباب.

وأضاف عبودي في تصريح لجريدة “العمق”، الالكترونية، أن هذا المخدر يتم تحضيره من بقايا الكوكايين، ويُخلط بمواد كيميائية سامة مثل الأمونيا وبيكربونات الصوديوم، وأحيانا يتم خلطه بمواد أشد خطورة كحمض البطاريات، زيت المحرك، الشامبو، إلى جانب أقراص مهدئة ومنومة.

وأكد الدكتور عبودي أن هذا الخليط السام لا يؤدي فقط إلى فقدان التركيز وزيادة الاندفاعية، بل يسبب أيضا سلوكيات عدوانية وأفكارا انتحارية، تجعل الشخص المتعاطي يشكل خطرا على نفسه وعلى محيطه. وشدد على أن انتشار هذا المخدر يعود إلى انخفاض سعره وسهولة الحصول عليه، خاصة في الأوساط الفقيرة أو الهشة.

وعن مراحل العلاج، أشار الطبيب إلى أن مسار التعافي من إدمان “البوفا” معقد، ويبدأ بمرحلة الانسحاب التي تتسم بآلام جسدية ونفسية شديدة، ما يستدعي رعاية طبية دقيقة تشمل وصفات دوائية لمعالجة الألم، مضادات الاكتئاب، أدوية القلق واضطرابات النوم، وأحيانا أدوية لعلاج أعراض الذهان أو الانفصام. كما أصبح العلاج السلوكي المعرفي مكونا أساسيا في هذه المرحلة، لتمكين المتعافي من فهم العوامل المؤدية للإدمان وتجاوزها، تمهيدا لبناء حياة جديدة أكثر توازنا واستقرارا.

من جهتها، حذرت الأخصائية النفسية الإكلينيكية أمل هرموشي من الانعكاسات الخطيرة لاستهلاك “البوفا” على الصحة النفسية والسلوك اليومي للمراهقين، مشيرة إلى أن هذه المادة تؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى ضعف التركيز والذاكرة، تراجع الأداء الدراسي والمهني، اضطرابات النوم والعلاقات الاجتماعية.

وأضافت الأخصائية في تصريح لجريدة “العمق” الالكترونية،  أن خلط “البوفا” بمواد أخرى يزيد من خطورته، حيث يدفع المتعاطي إلى سلوكيات اندفاعية وعدوانية قد تقود إلى العنف والجرائم المرتبطة بالإدمان، ناهيك عن إمكانية الإصابة باضطرابات نفسية متقدمة، مثل الاكتئاب الحاد، القلق المزمن، الهلوسات والأفكار الانتحارية، فضلا عن الأعراض الانسحابية التي تجعل التعافي عملية معقدة وطويلة.

وفي ما يخص العوامل النفسية والاجتماعية التي تدفع الشباب إلى تعاطي هذه المادة، أوضحت الأخصائية أن الهروب من الضغوط النفسية، الظروف الاقتصادية الصعبة، تأثير الأقران، الفضول، وغياب الفرص الترفيهية أو المهنية، كلها عناصر تغذي تجربة التعاطي، خاصة في ظل ضعف الرقابة الأسرية وسهولة الحصول على المواد المهدئة بثمن منخفض.

وشددت على أن التدخل العائلي المبكر والمستمر يمكن أن يلعب دورا محوريا في الوقاية وتقليل احتمالات الإدمان، ويعزز فرص النجاح في برامج العلاج النفسي وإعادة التأهيل، لا سيما إذا تم دعم المتعافي بالانخراط في أنشطة تعليمية أو رياضية أو مهنية.

وأكدت الأخصائية في ختام حديثها أن إعادة إدماج مدمن سابق على “البوفا” في المجتمع تظل ممكنة، لكنها تتطلب مسارا متعدد المراحل يشمل المتابعة الطبية والنفسية، الدعم الأسري، وتوفير فرص للتكوين والتأهيل المهني، مشيرة إلى أن أكبر التحديات التي تعترض هذا المسار تبقى هي الوصمة الاجتماعية وغياب الفرص الاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *