منوعات

بويخف يكتب: لماذا لا يكون نصح الزناة بالعازل الطبي أيضا ضرورة شرعية؟

شعار “الوقاية ساهلة” للحملة التي أطلقها نشطاء في الفايسبوك للتحسيس والحماية من انتشار داء فقدان المناعة المكتسبة “السيدا”، ينم عن حس إبداعي كبير في لغة التواصل والتحسيس، لكنه يطرح أسئلة كبرى على رأسها سؤال: هل فعلا الوقاية سهلة، خاصة والحملة ترتكز، إضافة إلى خطاب التحسيس والتنبيه والتوعية، على “العازل الطبي” كوسيلة مادية للمساعدة في الوقاية من الداء الفتاك؟
وسؤال السهولة في التوسل إلى الوقاية باعتماد “العازل الطبي”، بالإضافة إلى التوعية والتحسيس، تفرضه الثقافة المحيطة باستعماله، رغم أن هذه الوسيلة حاضرة في كل الحملات ضد الأمراض المنقولة جنسيا، سواء التي ينظمها المجتمع المدني أو التي تنظمها وزارة الصحة بشراكة معه.

ورغم الانتشار المتنامي لاستعمال العازل الطبي في العلاقات الجنسية، سواء في إطار الزواج أو خارجه، فإن هذا الانتشار لا تزال تحد من سرعته، بل وحتى نجاعته، ثقافة تجعل رواجه و ترويجه والحديث عنه ضمن الطابوهات الدينية والثقافية. وهذا ما جعل ذلك الرواج والترويج يتخذ له مسالك خاصة تتسم بالتكتم و التأثم أيضا، ولا يتم الحديث العمومي حوله إلا في إطار الحملات التحسيسية ضد الأمراض المنقولة جنسيا.

والطابو الثقافي والديني حول العازل الطبي يرفض الحديث عن العلاقات الجنسية الآمنة خارج إطار الزواج اعتمادا على تلك الوسيلة الطبية. ذلك أن علماء وخطباء ووعاظا وإسلاميين سياسيين ومفكرين، بل وجل المتدينين لم يروا في ترويج “العازل الطبي” خلال محلات محاربة الأمراض المنقولة جنسيا إلا أنه قد يشجع على انتشار الزنى، بل وتشن على مروجيه حملات كبيرة تتهمهم بتشجيع ثقافة الزنى. وبالإضافة إلى هذا الربط بين ثقافة العازل الطبي وتشجيع الزنى، نجد أن هؤلاء الرافضين لثقافة العازل الطبي في الحملات العمومية لا يألون جهدا أيضا في الطعن في نجاعته في تحقيق العلاقات الجنسية الآمنة، والأخطر من ذلك كله أن تجد العقلية التآمرية ما تغذي به خطابها في هذا الموضوع، فتدخل “العازل الطبي” أيضا ضمن المؤامرات التي تحاك ضد الأمة، بغية تعميم الفاحشة لإضعافها والقضاء عليها!

و الموقف المشار إليه، والذي يربط بين رواج العازل الطبي والتشجيع على الزنى والمؤامرة، ليس عليه إجماع بين كل هؤلاء المحافظين، غير أن المقاومين لثقافته منهم استطاعوا عبر عدة عقود فرض أجواء لا يجرؤ معها المختلفون معهم على البوح بآرائهم ومواقفهم للعموم، وكثير من هؤلاء المخالفين ينصحون “سرا” الشباب بالعازل الطبي إن كانوا لابد سيزنون!

ويخشى العلماء والدعاة والإسلاميون بشكل عام من المساهمة في انتشار الزنى إن هم تبنوا خطابا يشجع على العازل الطبي، ويقاومون بكل الوسائل الممكنة أي ترويج لهذه الوسيلة، بل ويتهمون مروجيها بتشجيع الزنى وخدمة المتآمرين ضد الأمة. ويجد هذا الخطاب الرافض لثقافة العازل الطبي صدى كبيرا في الأوساط الشعبية وفي صفوف المتدينين الشباب بالخصوص غير أنها تتجاوز هؤلاء على شكل ردود فعل رافضة لتلك الثقافة، وتحد من انتشارها وحرية الحديث عنها والتشجيع عليها.

وتفرض عدة عوامل سوسيو ثقافية كبيرة الحاجة الماسة إلى نظر اجتهادي في ثقافة العازل الطبي، وجرأة عالية في اقتحامها، نظرا لما يرتبط بها من مصالح عامة كبيرة وعظيمة، ولما ينطوي عليه الموقف الرافض لتلك الثقافة من مخاطر كبيرة على المجتمع ككل في ظل التحولات السوسيو ثقافية التي يعيشها. لماذا؟

أولا، لأن العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج أصبحت في حياة فئة واسعة من المغاربة، وخاصة الشباب، واقعا لا يرتفع، أكدت حجمه وانتشاره وتوقعات تناميه دراسات عدة عرف جلها طريقه إلى الإعلام. وهذا الانتشار لا يرجع السبب فيه بالمطلق إلى عدم معرفة هؤلاء بحرمة تلك العلاقات الجنسية خارج الزواج. بل جميعهم يعرفون أنهم يأتون محرما دينيا واجتماعيا أيضا، لكنهم يأتونه رغم كل شيء. كما أن خطاب الدعوة إلى التوبة والالتزام بالأخلاق الدينية لا تكفي أيضا، فكثير من الزناة يندمون بعد كل علاقة جنسية محرمة، لكنهم يعودون إلى ذلك مرة أخرى. مما يعني أن الوعظ وبيان الحكم الشرعي، لا يكفيان في مقاومة انتشار الأمراض التي تنتشر عبر العلاقات الجنسية خارج الزواج. وهذا يجعل من التشديد على تأمين تلك العلاقات الجنسية الواقعة رغم كل شيء، ضرورة واقعية واجتماعية تتعلق بالصحة العامة والأمن الصحي العام، ويحقق مصلحة عامة كبيرة ويدفع مفسدة أكبر، فلماذا لا يكون أيضا ضرورة شرعية؟
ثانيا، انتشار الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج لا ينبغي النظر إليه فقط من وجهة نظر دينية تتعلق بالحرام، و تتطلب التذكير الديني، بل بكونه مع ذلك بابا من أبواب انتشار أمراض خطيرة منقولة جنسيا تمثل تهديدا حقيقيا للمجتمع ككل، لا يمكن التعويل على الخطاب الديني وحده في محاربتها والحد منها، بل لابد من وسيلة إضافية أخرى توفر قدرا من الأمن الصحي في ممارستها. وهذا الأمر يفرض مراجعة المقاربة الدينية التي تقصي المقاربة التي تعتمد العازل الطبي في محاربة انتشار أمراض خطيرة مثل “السيدا”، فهل من موانع دينية تحرم نصح الزناة، الذين لا تنفع معهم الموعظة والتذكير بالأحكام الشرعية في ثنيهم عن إتيان الزنى، باعتماد العازل الطبي؟
ثالثا، إن الأمر لا يتعلق هنا بترف فكري، بل يتعلق بحياة آلاف من المغاربة المصابين بأمراض منقولة جنسيا يساهمون بدورهم في نشرها، وبمآت آلاف آخرين مهددين بالإصابة بتلك الأمراض. و”الجمعية المغربية للشباب ضد السيدا” التي أطلقت حملة “الوقاية ساهلة” وتستهدف بها 100 ألف شخص، تؤكد أن عدد الأشخاص المصابين بالتعفنات المنقولة عبر الجنس يتزايد سنويا، موضحة أن سنة 2014 عرفت أزيد من 442 ألف حالة إصابة بتعفنات جنسية، وأن داء فقدان المناعة المكتسبة يهم أزيد من 30 ألف مغربي تحتمل إصابتهم بالداء. وأضافت الجمعية أن 73% من المصابين من الفئة العمرية ما بين 15 و44 سنة، وأزيد من 80% من المصابين أصيبوا عبر العلاقات الجنسية غير المحمية”.

رابعا، إن الأرقام المقلقة السابقة كافية لبيان أننا أمام تهديد صحي حقيقي ولسنا أمام ترف فكري يبحث عن الاثارة الإعلامية، ونسبة 80 في المائة المصابين عبر علاقات جنسية غير محمية تبين أن العازل الطبي ضرورة مجتمعية لا مفر منها أمام الزناة الذين لم تنفعهم معرفتهم بالأحكام الشرعية، ولم تفد فيهم المواعظ الدينية، ولم يستطيعوا الالتزام بكل ذلك حين إقدامهم على ربط علاقة جنسية خارج إطار الزوجية. لكن ألى يمكن بناء على ذلك اعتبار الواقي الطبي أيضا ضرورة شرعية في حفظ الأبدان من المرض وحفظ المجتمع من انتشاره؟

خامسا، إذا كانت حماية صحة الأفراد وصحة المجتمع من المقاصد الكبرى للدين، و تبث أن تلك المقاصد لا يمكن تحقيقها بالخطاب والتربية الدينيين وحدهما، وأن تلك الحماية تتحقق أيضا باعتماد وسيلة طبية معينة، أفلا تكون الدعوة إلى اعتماد هذه الوسيلة الطبية التي أتبثت نجاعتها وفعاليتها في توفير تلك الحماية، من الواجبات الشرعية أيضا؟

لسنا هنا بصدد الافتاء الديني بقدر ما نسعى إلى وضع قضية الدعوة إلى اعتماد العازل الطبي في إطار يؤكد إمكانية مقاربتها مقاربة شرعية لا تخشى تهمة نشر الزنى، وتوازن بين مضار احتمال التشجيع على الزنى بتشجيع الزناة على اعتماد العازل الطبي، وبين الأضرار الفعلية التي تترتب عن العلاقات الجنسية غير المحمية من أمراض تتجاوز الزاني نفسه إلى المجتمع كله.

إنه لا ينبغي مواجهة تغييب المقاربة الدينية في الحملات ضد الأمراض المنقولة جنسيا، بموقف مناقض يركز على خطاب ديني لا يرفض “العازل الطبي” فحسب، بل يتهم مروجيه لأغراض وقاية المجتمع من انتشار الأمراض الفتاكة مثل “السيدا” بالمسؤولية عن انتشار الزنى وعن خدمة التآمر ضد الأمة.

إن المقاربة الفعالة في محاربة انتشار الأمراض المنقولة جنسيا هي التي تزاوج بفعالية بين المقاربة الوقائية الأخلاقية الدينية والمقاربة الحمائية الطبية، وأن التنافي المصطنع بين المقاربتين يضر بالجهود المبذولة في محاربو أخبر الأراض التي عرفتها الإنسانية، ويعرض المجتمع لانتشار تلك الأمراض وما يعنيه ذلك من تهديد للأمن العام الصحي. فهل نتوقع أن ينبري علماء ودعاة ومفكرين ووعاظ إلى تجديد الخطاب الديني في اتجاه مقاربة تصالح بين الدعوة الأخلاقية إلى تجنب الزنى وبين الدعوة إلى تأمين العلاقات الجنسية باعتماد العازل الطبي خلال عملية الزنى؟ ويكون الشعار المعتمد مثلا” اتق الله أيها الزاني، وإن كنت لابد زانيا فاحم نفسك وغيرك”.