وجهة نظر

عمر يظهر في القرية

“ما بالكم تنظرون إلى المنكر و لا تغيّرونه و لا تستنكرونه ” ، كان هذا جوابه حين أخبره أحد المنتخبين أنّ السكّان يطلقون عليه لقب(عمربنالخطاب)، كذلك لقبته إحدى السيّدات و هي تخاطب رفيقها بينما مرّا إلى جانبي و هما يتجادلان بصوت مرتفع ، و قالت إنّه لولا خوفي من (عمر بن الخطاب) لفعلت بكم ما تكرهون.

و إذا كان صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلّم عادلا و لا يخاف في الحقّ لومة لائم ، فكذلك صاحبنا ، أو على الأقل كان يسدّد و يقارب و يصيب و يخطئ ، ممّا جعله شخصيّة فريدة و نادرة بالنّظر إلى القطاع الذي يشتغل به الذي هو الأمن ، و الزمن الذي تسلّم فيه المسؤولية و هو أواسط الثمانينيات من القرن الماضي.

وقبل الحديث عن الحكايات التي تناقلتها الآذان عن الألسن لابدّ من عرض صورتين التقطتهما العين المجرّدة بدون (رتوش) ،وكما يقال ليس من رأى كمن سمع ، و تتعلّق الأولى بجنبات النّهر و الوديان و الخلوات التي يرتادها كلّ من أراد احتساء خمر محليّة أو وطنيّة الصنع مخلّفين وراءهم آثارا تدلّ على أنّهم مرّوا منهنا، و هي عبارة عن زجاجات فارغة أو بعض الزجاج المتبقّى منها بعد تكسيرها ، أو أكياس بلاستيكية فارغة استُعملت لتعبئة (ماحيا) المقطّرة بطريقة تقليديّة ،كلّ تلك الآثار لم يعد لها وجود بعد ظهور (عمر) ، و قد حاولتُدون جدوى العثور على بعض منها ، ممّا يعتبر مؤشّراعلى أنّ ظاهرة السكر في الأماكن الخالية بعيدا عن الأعين و ما يرافقها من دعارة و غيرها اختفت بعد سنة أو سنتين من ظهور (عمر).

اختفت كما اختفت بنات اللّيل اللّواتي كنّ يمارسن الدّعارة بالنّهار واللّيل و منذ زمن في بيوت متراصّة في آخر الشارع الرّئيسي ، و اختفت كذلك المنظّمة (الباطرونة) التي تتكلّف لهنّ بالوساطة و تدبّر الحماية و ذلك بعد حملة استنفر لها (عمر) ما استطاع من قوّة و رجال الأمن و تلكم هي الصّورة الثانيةبدون (فوطوشوب).

أمّا ما تناسل من حكايات حول عدل الرجل و شجاعته ، و حول ذكائه و خبرته الميدانية فلا حصر لها ، و يمكن أن نذكر منها ما ترك في الذاكرة نقشا و في النفس طيّبالأثر،فذلك اللّص الذي أرّق السكّان الفلّاحين منهم خاصّة حيث كان يسطو على الماشية باللّيل و أمام أعينهم ، و ضع له (عمر) حدّا و ألقى عليه القبض ، و المفاجأة أنّه خلال التحقيقمعه جرّ إلى المساءلة و الاعتقال بعض علية القوم و الذين اتُّهموا باشتراء المسروق، كما يُحكى أنّ (عمر) لم يستجب للوساطات بل لم يستسلم للضغوطات التي تحركت لإطلاق سراحهم و تبييض صفحتهم ، و قال دعوني أنهي عمليو أنتم أحرار بعد ذلك أن تفعلوا بهم ما تشاؤون فيالمراحل التالية للتحقيق .

و يُحكى أنّ (عمر) التقى فلّاحا يحمل على كاهله محرّك ضخّ المياه بعد أن أنهى سقي أرضه ، و قد اعتاد الفلّاحون فعل ذلك بعد أن كثرت سرقة الآلات الفلاحية من الحقول ، و بعد التأكد من أنّ الفلاح هو المالك الحقيقي لهذا المحرّك أمره بإعادته إلى مكانه و وعده و هو واثق من نفسهبالعثور على السارق و المسروق في حالة تعرّضه للسرقة.

كما يُحكى أنّ (عمر) توصّل إلى سارق بيت أحد المواطنين بأن أوعز إلى هذا الأخير أن يخبر أوّل شخص يسأل عن سبب قدوم رجال الأمن إلى بيته أنهم جاؤوا يسألون عن هذا الشخص نفسه، و أنّه مطلوب للتحقيق معه، و بذلك يكون المجرم الذي حام حول مكان الجريمة قد جنت عليه يداه و أوقعته رجلاه في شرّ أعماله.

وقبل أن يكون الأمن أرقاما ماديّة ، فهو إحساس لا يعرفه إلّا من أمسى و بات، وأصبحوظلّ آمنا على نفسه وعرضه وماله، وإن كان الفرق يستطيع أن يُحدثه لاعب واحد ، حسب لغة كرة القدم ، فحين غاب (عمر) اختفت معه بحبوحة الأمن ، و اختفت معها درّاجتي الهوائية التي سرقها منداخلحديقة البيت ذلك الذي عاد مع حليمة إلى عادتها القديمة.