منوعات

بوبكري: لشكر في ورطة وتصويت الشبيبة للبوليساريو مسيء للوحدة الترابية

لقد انتظر المغاربة قرار المكتب السياسي لحزب “الزعيم” لمعرفة المواقف والقرارات التي سيتخذها “المكتب السياسي” تجاه تصويت وفد “شبيبة” هذا الحزب على البوليساريو في مؤتمر “اليوزي” المنعقد مؤخرا بألبانيا، ولكن بعد صدور بيان اجتماع هذا “المكتب السياسي”، “تبيَّن للجميع فراغه، حيث تأكد أن “الزعيم” متشبث بوفده الشبيبي، واعتبر ما نُشِر في الصحف الورقية والجرائد الإلكترونية ومختلف المواقع الاجتماعية مجرد تشويش وتخوين ناجمين عن رغبة بعض الجهات في استهداف “الحزب”… 

لكن عندما يتأمل المرء في هذا البيان يجد أنه ينكر وقائع ساطعة كالشمس، حيث يتعارض جذريا مع تصريحات بعض أعضاء وفد الشبيبة الذين قال أحدهم إن “تصويتهم على الانفصاليين كان تكتيكيا وليس مبدئيا”. لكن، هل يمكن أن يقبل العقل مثل هذا الكلام؟ وهل التصويت على منح أعداء الوحدة الترابية موقعا في “اليوزي” تكتيك؟ ألا يُعتبر ذلك خسارة كبرى للوطن، ويشكل مساندة واضحة لأعداء الوحدة الترابية للمغرب؟

كما أن هذا التصويت يتعارض جذريا مع مفهوم الوطن والوطنية، ولا يمكن تصنيفه إلا ضمن مخططات الإساءة لوحدتنا الترابية… لأن التصويت على العدو هو اعتراف بأطروحته الانفصالية، حيث لا يمكن الفصل بين شلة الانفصاليين وأطروحتهم…

إضافة إلى ذلك، ألم تواجه عضوة من “المكتب السياسي” منتقدي شبيبة “الزعيم” على تصويتها على الانفصاليين قائلة: “دعونا نعانق البوليساريو ونصوت عليه…”؟ فضلا عن ذلك، فقد دافع الزعيم بكل قوة عن أعضاء وفد شبيبته الذين شاركوا في مؤتمر “اليوزي” بألبانيا، معارضا إمكانية اتخاذ أي قرار في حق أي أحد منهم ومُعلنا تشبثه بهم حتى الرمق الأخيرـ كما لم يقبل باتخاذ أي موقف من تصويتهم على الانفصاليين، فكرر لازمته المعهودة “إن الحزب مستهدف”!! ألا يخفي موقف الزعيم هذا وانفعاله أمرا فظيعا؟!

قد يبدو للبعض أن تشبث الزعيم بأعضاء وفد شبيبته راجع إلى أنهم أهمُّ عنده من الوطن، لكن العارفين بنفسية هذا الشخص لا يتفقون مع هذا التفسير لأنهم خاضوا تجارب مريرة معه على مدى عقود أكدت لهم أنه لا يُحبُّ إلا ذاته التي يضعها فوق الوطن والحزب والبشرية جمعاء. لذلك، فهم يَجدونَ موقفه هذا ناجما عن خوفه من ردود فعل هؤلاء الشباب التي ستفضح تورُّطه في اتخاذه وحده قرار تصويتهم لصالح عضوية شباب البوليساريو في منظمة “اليوزي”، ما يشكل انتحارا له. وما يعزز هذا التفسير هو أنه لما اكتشف أعضاء هذا الوفد هول القرار الذي اتخذه “الزعيم” وقاموا بتنفيذه في ألبانيا، بدأوا يُسِرُّون لأصدقائهم في الشبيبة بأنهم براء من قرار التصويت لصالح البوليساريو وأن الزعيم هو الذي فرضه عليهم، وأنه وحده المسؤول عنه، كما يعلنون أنهم كانوا على علم به قبل سفرهم إلى ألبانيا لحضور المؤتمر الأخير لـ “اليوزي”.

لقد قام “الزعيم” بالتحايل ليتجنب اتخاذ “المكتب السياسي” لأي موقف أو قرار تجاه ما حدث في ألبانيا، فعمل جاهدا من أجل الخروج بخلاصة مفادها أن “نازلة” ألبانيا تهم “الشبيبة” أولا، وفوَّض لـ “مكتبها الوطني” أن يتخذ الموقف والقرار الملائمين. لكن الجميع يعلم أن أغلب ما تبقى من أعضاء “المكتب السياسي” و”المكتب الوطني للشبيبة” هم مجموعة محدودة عدديا تابعة للزعيم الذي يغدق الأموال على أغلبية أعضائها، وينظم لهم جلسات السمر، ويمكِّنهم من السياحة في مختلف العواصم الأجنبية… كما يوهمهم بمساعدتهم على الوصول إلى مواقع حكومية وبرلمانية ومناصب أخرى سامية… هكذا عمل الزعيم يائسا على التنصل من مسؤوليته السياسية والمباشرة على تصويت أعضاء وفد شبيبته لصالح البوليساريو. ويشكل موقفه هذا حجة أخرى على تورُّطه في هذه الجناية، كما أن المغاربة على وعي بذلك، ما سيجعله يعيش في عزلة قاتلة، حيث سينبذه المجتمع المغربي ويضرب عليه حصارا…

وبعد اجتماع “المكتب السياسي”، اجتمع “الزعيم” مع أعضاء الوفد الشبيبي، وأخبرهم بعدم اتخاذ “المكتب السياسي” لأي قرار، وحاول إقناعهم بأن الوضع صعب جدا، وعليهم التزام الصمت لأن هناك جهات تتربص بـ “الحزب” بهدف الإساءة إليه، وأن العمل بكلامه سيكون من مصلحتهم ومن مصلحة الحزب في آن… لكن ما هو مثير للانتباه هو أن “الزعيم” يُصِرُّ على رؤية أعضاء هذا الوفد صباح مساء كل يوم لكي يضمن مراقبتهم حتى لا تتسرب أخبار جنايته وينكشف أمره، كما أن كلامه المُوجَّه إليهم لا يخلو من نبرة تخويفية تعكس هلعه من افتضاح أمره.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن صاحبنا عمل على ترؤس اجتماع “المكتب الوطني” لشبيبته صحبة عضو من “المكتب السياسي” وآخر من “لجنة العلاقات الخارجية” لحزبه. لكن، ألا يدل ترؤسه لاجتماع ما تبقى من أعضاء “المكتب الوطني”للشبيبة على خوفه من أن يفتضح تورُّطه في جناية تصويت وفد شبيبته على البوليساريو؟ ثم ألا ينم ترؤسه لهذا الاجتماع عن رغبته في اتخاذ القرار محل “جهاز” شبيبته؟ ألم يُكلف مساعديه بصياغة البيان الصادر عن هذا الاجتماع صحبة أفراد مما تبقى من أعضاء “المكتب الوطني”؟ وبذلك، فالبيان الصادر عن اجتماع “المكتب الوطني” هو مجرد ورقة صادرة عن الزعيم.

لذلك جاء بيان كل من “المكتب السياسي” و”المكتب الوطني” للشبيبة فضفاضين لا يقولان شيئا، ما يعني أن الزعيم في ورطة كبيرة لن يستطيع الخروج منها، لأنها تشكل انتحارا سياسيا له… وما يؤكد ذلك هو أن تصويت وفد شبيبته على البوليساريو واضح لا غبار عليه، إذ تعكسه الصور والأشرطة المنشورة في مختلف المواقع الاجتماعية، كما يؤكده انبطاح أعضاء وفده أمام شبيبة البوليساريو… لكن الزعيم يرفض أن يقول شيئا عن ذلك، فكان خطاب جهازيه الحزبيين خارج الموضوع وغير ذي معنى لأنه تجنب الحديث عن جرم التصويت الذي لا يشك أحد في ارتكابه. أضف إلى ذلك أن هناك تناقضا بين بياني “المكتب السياسي” و”المكتب الوطني” للشبيبة، من جهة، وتصريحات أعضاء وفده إلى ألبانيا وبعض أعضاء مكتبه السياسي، من جهة أخرى، ما يدلُّ على أن الزعيم يخفي عنا تورطه في جناية التصويت لصالح الانفصاليين…

وما أستغرب له هو أن الزعيم انتظر مدة طويلة للإعلان عن موقفه وقراره، فأنكر على لسان شبيبته هذا التصويت متناسيا ما أدلى به بعض أعضاء الوفد وأعضاء المكتب السياسي من تصريحات منشورة تؤكد جناية التصويت لصالح الانفصاليين. كما أن جريدته بدت وكأنها تُمارس الدعاية للطرح الانفصالي عبر نقلها حرفيا عن جريدة جزائرية تصريح “بان كي مون” الذي يروّجُ فيه أن “الصحراء محتلة”، وذلك دون أن توجه أي نقد لهذا التصريح، ما فهمه المناضلون والمغاربة بكونه قبولا صريحا بخطاب الانفصال…

والخطيرُ أن “الزعيم” انتقل إلى ممارسة الكذب لإخفاء ما فعله ضد الوطن، لكن ذلك لن يشفع له. كما أن محاولة دفاعه عن “وطنيته”… لم تقنع أحدا لأن الجميع واع بتورط صاحبنا في التصويت لصالح البوليساريو، حيث إن كذبه وسعيه لمراجعة مواقفه وممارسته سياسة الهروب إلى الأمام عبر دعوته إلى تشكيل جبهة وطنية لمواجهة موقف “بان كي مون”… لا يُغتفر له، لأنه طعن المغرب والمغاربة من الخلف لمَّا دَفَع شبيبته إلى التصويت على الانفصاليين. لذلك فنحن نطالبه بالرحيل من الحزب، لأنه أساء إلى الوطن، والوطن عندنا أهم من الحزب، بل إنه أهم من كل شيء. وما نسيه صاحبنا – أو تناساه – هو أن قرار التصويت لصالح الانفصاليين الذي اتخذه يدخل – شاء أم أبى – ضمن مشروع التجزئة الذي يتبناه خصوم وحدتنا الترابية ويخدم رغبات واستراتيجية بعض القوى التي تعمل على تفتيت الأوطان بمنطقتنا وغيرها من المناطق الأخرى سعيا إلى بسط سيطرتها على كل شيء…

ومن أغرب ما فعل الزعيم لتبرئة نفسه هو أنه لجأ إلى دفع أعضاء “المكتب الوطني” لشبيبته للاحتجاج على “اليوزي” عبر تعلَّيق عضويتهم فيها إلى حين انعقاد مؤتمرها المقبل مُتوهِّما أن ذلك سيبرئه من جنايته، لكن ذلك لن ينفعه في شيء. فماذا يريد أن يقول لنا من خلال تعليق عضوية شبيبته في “اليوزي”؟ أليس هو المسؤول عن تصويت شبيبته لصالح الانفصال؟ وهل أجبر أحد وفد شبيبته على فعل ذلك؟ لذلك، فأنا أرى أنه يجب أن يكون احتجاج أعضاء “المكتب الوطني” لشبيبته على ذواتهم لأنهم لم يصوتوا على الانفصاليين تحت الضغط، بل فعلوا ذلك بإرادتهم وهم فرحون. أكثر من ذلك، فقد عانق بعضهم أعضاء البوليساريو وقت التصويت… ألم يقرر الزعيم التصويت على الانفصاليين قبل ذهاب وفده الشبيبي إلى ألبانيا؟ ألا يشكل هذا مشهدا كافكاويا بامتياز؟ !…

فوق ذلك، فقد قام الزعيم، في إطار تحضيره للانتخابات التشريعية المقبلة قبل سفر وفد شبيبته إلى ألبانيا، بطرق أبواب بعض الأعيان ليترشحوا باسم “حزبه” في هذه الاستحقاقات، لكنهم رفضوا جميعا طلبه، فعلم أن هزيمته في الانتخابات التشريعية القادمة حتمية. ويعود ذلك إلى أن هؤلاء الأعيان يعتبرون الانتخابات استثمارا ينتظرون منه عائدا كبيرا، كما أنهم تأكدوا من أنَّ صاحبنا لم يعد له حزب، ما يستحيل معه تواجده في مؤسستي البرلمان والحكومة، الأمر الذي يجعله عاجزا عن حمايتهم وضمان استفادتهم من الريع.

نتيجة ذلك، أدرك صاحبنا عجزه عن خوض غمار الانتخابات، كما أن محاولاته للحصول على دعم السلطة قد باءت بالفشل. ولمَّا أدرك ذلك كله، أيقنَ أن موته السياسي آت لا ريب فيه، فتفتقت عبقريته على اللجوء إلى ابتزاز السلطة عن طريق الزجِّ بكمشة من الشباب في مواجهة السلطة عبر الإساءة إلى الوطن في المحافل الدولية، مُتوهِّما أن هذا السلوك سيرغمها على أن تتفاوض معه وتتبرع عليه بمقاعد برلمانية تؤمِّنُ له البقاء…