أدب وفنون

“ثقل الظل” قصة أب يعيش معاناة اختفاء ابنه منذ زمن الجمر الرصاص

عمره تجاوز المائة، لكنه لا يتذكر عدد السنين التي قضاها في هذه الحياة بالضبط، سنين قضاها وهو يحاول حل لغز اختفاء قطعة من كبده رحلت يوما ولم تترك أي أثر، هي قصة عمي علي الذي اختطف ابنه قبل أزيد من 37 سنة، زمن ما بات يعرف بسنوات الرصاص بنواحي ورزازات.

لتسليط الضوء على معاناة هذه الفئة، عاد المخرج المغربي حكيم بلعباس لينفض الغبار عن قصة اختفاء الطالب أحمد إيتكو من احدى المؤسسات التعليمية بمدينة ورزازات سنة 1974 حسب تعبيره، وعلى لسان الأب “علي أتيكو” وعائلته التي عاد بها الزمن إلى الوراء لتذكر ما عاشه المغرب قبل زمن لم يكن بالبعيد.

ثقل الظل عنوان قرر المخرج حكيم بلعباس أن يطلقه على فيلمه الوثائقي الذي تم تصويره عبر مرحلتين، المرحلة الأولى قبل سبع سنوات، والثانية عودته مؤخرا ليتم فصول الحكاية، فصول جمعت بين الأمل والألم، وبين الابتسامة والبكاء.

قبل سبع سنوات عندما صور بلعباس المشاهد الأولى لفيلمه، كان عمي علي مازال مستمرا في محاولة الوصول إلى حقيقة اختفاء ابنه أحمد، ورغم لغته العربية الممزوجة بكلمات أمازيغية استطاع أن يحكي جزءا من حياة ابنه قبل اختفائه دون أن يعرف مصيره لحد اليوم، كان عمي علي مازال قادرا على الحركة والسفر من أجل السؤال، عله يجد سبيلا إلى أحمد سواء كان حيا أو ميتا، المهم أن يعرف مصيره رغم مرور السنين الطويلة التي لم تستطع أن تمحي أي شيء من ذاكرته.

قبل سبع سنوات أيضا، كانت أم أحمد ما تزال على قيد الحياة جثة تتحرك لا تفكر سوى في ابن انتزع منها في فترة شبابه، لم تعد تتذوق طعم الحياة بعد الحادثة، لم تعد حتى تنظر في وجهها أمام المرأة لتنظر في تجاعيد الزمن، ورغم وجود ابنين آخرين لم تنسى ألم فراق ابنها أحمد الذي لم يودعها، والذي لم يهمس في أذنيها ليقول لها “أمي لن أعود إليك أنا مسافر قسريا إلى وجهة غير معلومة”.

مرت سبع سنوات، عاد بلعباس مع ابنته وزوجته حاملا آلة التصوير ليكمل فصول فيلمه الواقعي كما هو، تغير كل شيء في عائلة عمي علي، الأخير لم يعد قويا كما كان في اللقاء الأول، كلامه لم يعد يفهم، لم يعد يستطيع التحرك وحيدا دون مرافقة ابنيه، وما لم يتغير هو تفكيره المستمر في أحمد المختطف زمن سنوات الرصاص.

أم أحمد لم تعد بالمنزل، رحلت عن الحياة دون أن تتمكن من معرفة مصير فلذة كبدها، بقيت فقط ذكرياتها في صور الفيلم، نظراتها المتسارعة آنذاك تحكي ألم غياب جزء منها، رحلت وبقي عمي علي وحيدا يعيش الأمل ليعرف مصير أحمد.

الفيلم الوثائقي “ثقل الظل” عرض في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة بحضور بطله عمي علي الذي أصر بلعباس على حضوره ليسمع جمهور المهرجان صوته قبل سماعه في هذا الفيلم الذي سافر معه متابعوه في لحظات مؤثرة غير مصطنة كما في الأفلام الروائية حيث يكون السيناريو هو من يصنع القصة، لكن هنا القصة واقعية دون مكياج دون ديكورات دون ضوابط تتحكم في الممثل، هنا المخرج يطلق كامرته لتجمع فصول حكاية واقعية عاشتها العديد من العائلات.

قبل مغادرة علي إيتكو لمدينة طنجة في اتجاه قريته الصغيرة نواحي ورززات، حضر ندوة مناقشة الفيلم مع الصحفيين والنقاد في المهرجان وتحدث بكلماته الأمازيغية التي لم تعد تخرج بشكل واضح، حضوره دفع دموع العديد من الحاضرين تسقط بسبب القصة المؤثرة لعائلة عمي علي، وكلماته التي لا يخرجها بدون ذكر الله وبدون التسبيح، ومن خلالها يقول أمنت بقدر الله رغم قسوة الفراق ورغم المعانات.

يذكر أن الدولة قررت في السنوات الأخيرة طي ملف ما كان يعرف بسنوات الرصاص بالكشف عن حقيقة حالات الإخفاء القسري والاعتقال السياسي وتعويض ضحايا تلك السنوات وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات، ولهذا الغرض أنشئت الهيئة الوطنية للإنصاف والمصالحة والتي عملت على الاستماع إلى الضحايا وأهاليهم قبل تعويضهم، لكن ما زالت العديد من الملفات تنتظر النظر فيها ومن بينها قضية احمد إيتكو، ابن عمي علي الذي لم يعرف مصيره رغم المراسلات العديدة إلى مختلف الجهات.