وجهة نظر

شك

جبارة كانت عندما اغتصبت منه ابتسامته العريضة، رسالة نصية واحدة منها، كانت كافية لتحويل يومه إلى كابوس. لم يستوعب ما وقع له لحظتها، كان يحتسي قهوته بمعية أصحابه، كانوا في منتهى الانسجام وهم يسخرون من مشاكلهم اليومية، إلى أن أرسلت له تأففها ووعيدها بأن حسابه عسير معها، فهي متأكدة أنه مع خليلته أو إحداهن.

رغم أن المشهد أصبح معتادا بالنسبة له، إلا أنه لم يستطع التطبع مع غيرتها وجنونها وشكوكها اللامبررة، ولم يتمكن من تكوين مناعة تقيه شر ظنونها، وتجعله في منآى عن الكدر. ومع أن المسكين دائما يقسم جهد إيمانه أنه لا يخونها، إلا أن الفكرة عششت داخل قفص تفكيرها المحنط، وبات من المحال تخليصها وتخليص نفسه من هواجسها.

هل أخطأ لأنه ليس كجاره، يغار من كل شيء ويثور من لا شيء، هل أخطأ لأنه لم يجعلها حبيسة عقليته المتصلبة ولم يحرم عليها زيارة الأقارب لكي لا تصادف أبناء العمومة والجيران الذين كانوا يطمعون في الفوز بقلبها، أم أنه يستحق هذا الاضطهاد الذي يتعرض له من طرف من حسبها في يوما أنثى، وهي لا تعرف لسماحة الأنثى طريقا، ولا للعتاب الرقيق والكلمة العذبة وجهة.

انتفض من وسط أصحابه، توجه بخطى متثاقلة إلى قدره المحتم، دخل للحمام ،ونظر مطولا إلى المرآة تمتم مع نفسه “يال حظي لقد تزوجت من عاصفة رعدية، عاصفة مزمنة لا تعرف الهدوء أبدا”

عاصفته دائما في حالة تأهب قصوى، منذ الساعات الأولى من الصباح، بدءا من لماذا تتعطر وانتهاء بالدورة التفتيشية الروتينية على “الجاكيت” وداخل السيارة، ومن اشترى له الساعة، ولماذا المبالغة في الأناقة وغيرها من الأسئلة المستفزة، و التي تتدخل في عمله وأوقات عمله واجتماعات عمله. كلما وصل إلى حل الفراق تهدده باستخلاص مستحقاتها درهما درهما، سنتيما سنتيما. لم يندم على سخائه يوما كما ندم عليه عندما أغدق عليها بما يملك وبما لا يملكه أصلا، نعم لقد بالغ في مؤخر الصداق ظنا منه أنه اهتدى للمليحة ذات الخمار البنفسجي، و إذا بها جبارة تحت رداء حريري.

أخذ يلوم نفسه: ياليته، اختبر مؤشر الغيرة والشك عندها قبل اختبار العفة، يا ليته افتحص معدل الأنوثة عندها قبل أن يرهن حياته بمعسكر تدريبي بطعم المؤبد، يا ليته سأل عن قدرتها على الصمت بدل مهارتها في الطبخ، فهو لم ينسه مذاق الشك والريبة ومرارة الوعيد وجو الكآبة والعبس الذي لبسه أينما حل وارتحل.

لبس قميص نومه وضع سماعة هاتفه شغل موسيقى هادئة واستسلم لنومه وقدره.