مجتمع

تقرير: التصوف يزحف على المكتبة المغربية والمؤسسات الرسمية تتصدر البحث العلمي

أصدر مؤخرا مركز المقاصد والدراسات والبحوث تقريره السنوي عن “الحالة العلمية الإسلامية بالمغرب لسنة 2015″، يرصد فيه حركة الإنتاج في العلوم الإسلامية بالمغرب، من حيث التأليف والكتابة والمحاضرات والندوات والمؤتمرات والسجال العلمي وكذا البحث العلمي.

ورصد التقرير الذي حصلت “العمق المغربي” على نسخة منه، انتشارا واسعا للتصوف في المجالات كلها، مشيرا إلى أن عددا من المكتبات عرفت زحف الكتب الصوفية على بقية الرفوف المجاورة، نظرا للكم الكبير من المؤلفات الجديدة، وكذا انتقال المتصوفة للاهتمام بمجال البحث العلمي والأكاديمي، وعدم الاكتفاء بالأنشطة الموسمية.

هذا في وقت استطاعت كل من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والرابطة المحمدية للعلماء، البقاء على رأس المؤسسات المشتغلة في البحث العلمي، في وقت سيطرت مؤسسة مؤمنون بلا حدود على كم الأنشطة المتعلقة بالعلوم الإسلامية نظرا لما لها من إمكانات مادية ولوجستيكية تمكنها من تنظيم أنشطة أسبوعية وشهرية، فيما سدل التقرير ضعفا كبيرا في التأليف في مجال المالية الإسلامية والأبناك التشاركية رغم كثرة المؤتمرات والندوات التي عالجت الموضوع خلال سنة 2015.

وأشرف على إعداد التقرير المذكور نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والقيادي في حركة التوحيد والإصلاح (المغربية) أحمد الريسوني، فيما أشرف على مراجعته وتدقيقه نائب رئيس الحركة نفسها والأستاذ بجامعة محمد الخامس مولاي عمر بنحماد، وأشرف على تنسيقه وتحريره الأمين العام لمركز المقاصد للدراسات والبحوث حسن السرات.

مكتبة الصوفية تزحف على باقي الأصناف

رصد تقرير “الحالة العلمية الإسلامية بالمغرب لسنة 2015” الذي يصدر عن مركز المقاصد والدراسات والبحوث سنويا، انتشارا واضحا للتصوف في التأليف والكتابة والمحاضرات والندوات والمؤتمرات والسجال العلمي وحتى البحث العلمي، وعزى ذلك التقدم إلى التدافع العام الواقع في الأرض كلها: بين الروحي والمادي، والتدين واللاتدين، والتسيس واللاتسيس، والتسلف واللاتسلف، والعقلاني والوجداني.

واحتل مجال العقيدة والأخلاق والتصوف الصدارة في قائمة المؤلفات الصادرة السنة الماضية، بحوالي 50 عنوانا، استحوذ التصوف على نصفها.

ولاحظ التقرير الذي أشرف عليه الفقيه المقاصدي ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أحمد الريسوني، تسجيل تقدم التصوف في قائمة المجلات الصادرة بالمغرب خلال السنة نفسها، كما حافظ على مكانته ضمن القائمة الفرنسية، “بل حتى في المجالات الأخرى، تصدر التصوف القوائم، كما هو ظاهر في مجال الحديث ومجال الأدب والفن، ومجال الأعلام”.

وأضاف المصدر ذاته، أنه “في رفوف المكتبات المغربية جاوز التصوف جناحه المخصص له وزحف على الأجنحة الأخرى وصار هو أكبر الأجنحة عربيا وفرنسيا”.

كما عرف مجال التصوف تنظيم 18 نشاطا علميا كبيرا، يغلب عليها المؤتمرات الدولية التي تنظمها الزوايا أو المراكز، والتي تمتد لأيام.

إلى ذلك، لفت التقرير الانتباه إلى بداية انخراط بعض الطرق الصوفية في البحث العلمي وتوظيفه في أعمالها وأنشطتها، مؤكدا أنها لم تعد تكتفي بتنظيم اللقاءات الموسمية والندوات والمحاضرات، وبإصدار الكتب والمجلات، بل أنشأت مراكز خاصة.

الأوقاف والرابطة المحمدية في مقدمة الإنتاج والبحث العلميين

وبخصوص البحث العلمي وكذا الإنتاج في مجال العلوم الإسلامية، سجل تقرير الحالة العلمية احتلال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمؤسسات الدينية والعلمية، وكذا الرابطة المحمدية للعلماء ومراكزها الثلاثة عشر، مركز الصدارة الكمية في الإنتاج العلمي المادي واللامادي.

واعتبر أنه “لم يعد خافيا على أحد، أن مراكز البحث العلمي الإسلامي الحكومية والمستقلة أصبحت من أهم الفاعلين والمنتجين في هذا المجال، وأن مراكز البحث العلمي الإسلامي الحكومية والمستقلة أصبحت من أهم الفاعلين والمنتجين في هذا المجال”.

وبالمقارنة بين المراكز المغربية، سجل التقرير احتلال مراكز الرابطة المحمدية للعلماء الصدارة في مجالات العدد والنشاط والإنتاج، واعتبره “أمرا طبيعا”، بالنظر “إلى توفر الشروط المالية والبشرية والرسمية لها، فعددها 13 مركزا، دون احتساب الرابطة نفسها، ولها مقراتها الخاصة بعدة مدن مغربية، ولها موارد بشرية مهمة، ولها أنشطة بارزة وكثيفة، ولها إصداراتها العلمية، كتبا ومجلات، وندواتها الخاصة وندواتها المشتركة، وهي أيضا مطلوبة للمشاركة خارج المغرب سواء في المشرق الأدنى أو الأوسط أو الأقصى، وفي الغرب أيضا”، حسب تعبير التقرير.

وأما بخصوص الهيئات المنظمة للأنشطة المتعلقة بالعلوم الإسلامية، فورد في التقرير أنه “على رأسها الجامعة ومختبراتها، حيث نظمت أو شاركت في تنظيم عدد من الأنشطة العلمية الكبرى أو المحاضرات، ويلحق بالجامعة مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، تتلوها المراكز العلمية، وهي كثيرة ومتعددة على رأسها مراكز الرابطة المحمدية للعلماء على اختلافها وتنوعها، ثم مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ومركز مغارب في الاجتماع الإنساني، ومركز المقاصد وغيرها من المراكز العلمية، بالإضافة إلى المجالس العلمية والتي تعنى في الغالب بالأنشطة المتعلقة بالعقيدة الأشعرية أو المذهب المالكي أو التصوف الجنيدي، أي الخصوصيات الدينية للمملكة، لذلك نجد مثلا الملتقيات العقدية الكبرى نظمت من المجالس العلمية بغية تعريف الناس بالعقيدة الأشعرية، ثم تأتي حركة التوحيد والإصلاح، التي قامت بأنشطة علمية منتظمة في مختلف ربوع المملكة، ولا ننسى دور المنظمات الطلابية في الجامعات والمعاهد والمدارس، بالإضافة إلى الزوايا، والتي عنت بأنشطة التصوف فكان لها النصيب الأكبر في تنظيم المؤتمرات والندوات في التصوف، ثم جمعيات المجتمع المدني.

سجال إعلامي ساخن وصوت العلماء “غائب”

عرفت السنة الماضية، حسب التقرير نفسه، سجالا إعلاما حادا في عدد منها ما سبق تداوله في السنوات الماضية، كالقضايا المتعلقة بالعقيدة والدعوة والسياسة، والفقه والسياسة الشرعية والاقتصاد الإسلامي والأسرة والمرأة واللغة العربية، وأخرى ظهرت لأول مرة مثل “سيلفي الحج مثلا”، و”غسل الميت المصاب بالإيبولا” وسجال “القانون الجنائي”، فيما توقف السجال في قضايا من قبيل “التنصير” و”حرية المعتقد”، و”الخطاب التكفيري”.

وسجل التقرير ارتفاع السجال في بعض القضايا تفاعلا مع أحداث أو مواقف معينة، ضاربا المثال بالنقاش الساخن حول المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة بعد إصدار المجلس الوطني لحقوق الإنسان توصية بذلك، وكذا موضوع “الإجهاض والذي تجدد السجال حوله، على إثر مناظرة وطنية نظمت حوله، ثم صدور تحكيم ملكي، حسم الجدل بالتأكيد على أن أي مراجعة لأحكام القانون المتعلقة بالإجهاض، يجب أن تحترم هوية وثوابت الأمة”، حسب نص التقرير.

وفي الوقت الذي سجل المصدر تفاعل السجالات مع الوضع السياسي بالبلد، سجل غياب العلماء عن الانخراط في هذه السجالات الإعلامية، حيث بدا غيابهم جليا في فترة الانتخابات الجماعية والجهوية، ، وأكد أن “الأسماء العلمية لم تكن هي المبادرة لإثارة تلك القضايا، بل فقط بادرت بالرد أو طلب منها الرد وإبداء الرأي، ومرة أخرى حضرت أسماء بعينها، بينما أغلب العلماء والباحثين والأكاديميين ليس لآرائهم حضور ولا صدى بين الآراء”.

وأكد التقرير الذي تم عرضه في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، أن ضعف الانخراط الإعلامي للعلماء في السجال العلمي في عدد من القضايا المثارة، رغم ما عرفه المغرب من “خصوبة وريادة فكرية مشهود بها”، لا يعود بالأساس إلى تقييدهم وحبسهم عن ذلك، متسائلا “وإلا فلماذا يكثر عددهم ويزيد رفضهم في أنواع معينة من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات داخل المغرب وخارجه، ولماذا مؤلفاتهم وكتبهم ومقالاتهم تطبع وتنشر، في حين لا طبع ولا حضور ولا كلام عندما يحمى الوطيس؟”.

الريسوني في مقدمة المؤلفين في الأصول والمقاصد

سجل الفقيه المقاصدي والقيادي في حركة التوحيد والإصلاح أحمد الريسوني، الريادة في عدد الإصدارات سنة 2015 في مجال أصول الفقه ومقاصد الشريعة.

وأفاد التقرير أن اسم الفقيه المغربي ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورد في 7 عناوين من أصل 14 عنوانا صدر السنة الماضية، منها أربع مؤلفات له هي “مقاصد المقاصد”، و”محاضرات في مقاصد الشريعة” و”الجمع والتصنيف لمقاصد الشرع الحنيف” و”الذريعة إلى مقاصد الشريعة”، وثلاثة عناوين توجد فيها تقديماته ومراجعاته وتعليقاته وهي “مقاصد الموافقات” و”الموازنة بين المصالح والمفاسد في التداوي بنقل الأعضاء البشرية” لمؤلفه الدكتور عبد الغني يحياوي، و”الأقدس على الأنفس في أصول الفقه” للشيخ محمد ماء العينين، تحقيق وتعليق محمد بن أحمد رفيق.

من جهة أخرى، سجل مجال الأصول والمقاصد تنظيم 18 نشاطا كبيرا من قبيل المؤتمرات، خلال السنة نفسها، متصدرا عدد الأنشطة الكبرى المهتمة بالعلوم الإسلامية، تقاسما مع التصوف الذي سجل نفس الرقم.

ضعف التأليف في المالية الإسلامية وكثرة في المحاضرات

من جهة أخرى، لاحظ التقرير الذي أعده مركز المقاصد والدراسات والبحوث، ضعف التأليف في مجال الاقتصاد الإسلامي مؤكدا أن عدد الكتب فيه لا “يزيد على رؤوس أصابع اليد الواحدة”، هذا في وقت سجلت المحاضرات والملتقيات عددا كبيرا من الأنشطة التي تناولت موضوع المالية التشاركية والأبناك البديلة، كما أنه تم تسجيل عدد كبير من ماسترات التكوين ورسائل الدكتوراه في هذا المجال.

ويأتي هذا الضعف في التأليف رغم أن المغرب “شهد في السنة الماضية سجالا حاميا، وتدافعا قويا وطويلا حول البنوك الإسلامية والتمويلات الإسلامية، في ظل حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي”، حسب نص التقرير.

وتابع “ولولا معرفة سبقت وخبرة لحقت لدى الدكتور محمد أحمين لكان المجال صفرا وهباء، وهذا يظهره الكتابان اللذان ألفهما في المجال وهما “دور الفقه الإسلامي في نجاح العمل المصرفي الإسلامي” و”مدخل إلى الرقابة الشرعية، دليل عملي وعلمي للفتوى والتدقيق الشرعي في المؤسسات المالية الإسلامية”.

مؤمنون بلا حدود الإماراتية تسيطر على الأنشطة الدينية

في الوقت الذي تصدرت المؤسسات الرسمية كم الأنشطة الدينية، رصد تقرير “الحالة العلمية الإسلامية بالمغرب لسنة 2015″، أن “المقارنة بين مراكز الرابطة مجتمعة، ومؤسسة مؤمنون بلا حدود، القادمة من المشرق العربي والمتخذة من المغرب مركزا لها، فإن الرابطة ومراكزها الثلاثة عشر تبدو صغيرة الحجم والتمويل والنشاط والإنتاج أمامها”.

وتابع “فالمؤسسة لها ميزانية ضخمة جدا تمكنها من الحصول على مقرات بالعاصمة المغربية وتنظيم ندوات أسبوعية وشهرية وسنوية، وتمويل الموارد البشرية والباحثين، وطبع الكتب والمجلات المتعددة، ناهيك عن الجوائز والمكافآت السخية”.