وجهة نظر

معارضة ما بعد دستور 2011

أفرد الفصل 10 من دستور 2011 حيزا هاما للمعارضة، وبوأها مكانة هامة داخل الحياة السياسية والعمل البرلماني، وذلك من خلال النص صراحة على أدوارها وحقوقها الدستورية، كأداة مؤسساتية لمراقبة الحكومة والمساهمة في التشريع.

وأظهرت الممارسة السياسية لما بعد دستور 2011، وتشكيل حكومة بنكيران، ضعفا بنيويا في أداء المعارضة التقليدية لا يتناسب مع أدوارها الدستورية المفترضة. مما يشي بوجود فجوة بين النص المتقدم في بنوده وأحكامه وبين الممارسة المتراجعة لدور المعارضة.
وعلى العكس من ذلك، وأمام قوة الطلب الاجتماعي على السياسة بعد حراك 20 فبراير، تصاعد دور وسائط التواصل الاجتماعي ونافس المعارضة التقليدية في أدوارها الرقابية على الفعل العمومي والسياسات العامة، بل وفرض أجندات معينة في النقاش العمومي.

تتعدد مظاهر هشاشة خطاب المعارضة التقليدية، من خلال ما يسم النقاش في الجلسات البرلمانية من خطاب سياسي حافل بمفردات سطحية وتراشق للاتهامات بين المعارضة والأغلبية تصل إلى حد السب والشتم والقذف أحيانا بل والتخوين أحايين أخرى. دون احترام لأدبيات الخطاب السياسي بين الفاعلين سواء في الأغلبية أو المعارضة، بدل بالتركيز على مراقبة ومساءلة العمل الحكومي واقتراح بدائل سياسية وقانونية معقولة، تقف في صف الشعب حين يتبين ضعف في الأداء الحكومي وانزياحه لخدمة أو مداهنة لوبيات معينة أو تجاوز وتضييق في مجال الحريات والحقوق.

أمام هذا الدور السلبي الذي تجسده المعارضة، ولدت معارضة بديلة تنشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة موقع “الفيسبوك”، حيث الاهتمام المتزايد بالقضايا السياسية من طرف الشباب على وجه الخصوص، وتتبع خطاب الفاعل السياسي في الأغلبية والمعارضة. وكذا تقييم وتتبع السياسات والبرامج الحكومية ووضعها تحت مجهر النقد. وهو ما يؤشر على تنامي الوعي بالسياسة والمصالحة معها بشكل لافت ومؤثر.

فاللحظة التاريخية التي عاشتها البلدان العربية على إثر موجة الحراك العربي، رفعت من منسوب الحرية في التعبير والاهتمام بالسياسة على وجه خاص. إذ شكل العالم الافتراضي “مواقع التواصل الاجتماعي” فضاء مفتوحا للنقاش وتدوال الأخبار السياسية بسرعة فائقة، مما ساعد “النشطاء” على تمرير خطابهم ومطالبهم التي رفعوها في وجه أنظمتهم. داعين إلى الاصلاح السياسي/ الاجتماعي وإلى محاربة الفساد بشتى أنواعه أحيانا، وإلى إسقاط النظام أحايين أخرى.

وهو ما تؤكده العديد من الدراسات من بينها المؤشر العربي في نسخته الرابعة ” دجنبر 2015″، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي نُفّذ في 12 بلدا من بينها المغرب، أجاب من خلاله المستجيبون العرب على أن غالبيتهم تتصفح المواقع الفيسبوك للتفاعل مع القضايا السياسية لاهتمامهم بالقضايا السياسية.

كما أظهر تقرير جديد أعده معهد محمد بن راشد في مدينة دبي الاماراتية نشر مؤخرا، انخراط أزيد من 7 ملايين مغربي في “الفايس بوك”. وهو مؤشر دال على الدور الذي تعلبه مواقع التواصل الاجتماعي يوما بعد يوم، كما أن تصالح الشعب المغربي مع السياسة خاصة بعد الحراك المغربي لم يخفت، بل ولد معارضة بديلة تراقب وتقيم القضايا السياسية والسياسات الحكومية، وكذا خطاب الفاعل السياسي، ثم تضغط من خلال انشاء صفحات خاصة بقضية ما من أجل تصويبها أو إلغائها أو حتى الدفع بمسؤول عمومي إلى الاستقالة.

ومن نماذج فعالية هذا الشكل من المعارضة وإنتاجه أثرا عموميا، فضيحة أرضية ملعب مولاي عبد الله التي من خلال تحميل وزير الشباب والرياضة محمد أوزين المسؤولية حول صفقة تجهيز الملعب والضغط على الحكومة، حيث توج الضغط بإقالته، إضافة الى إقالة زميله في الحكومة والحزب عبد العظيم الكروج في ما عرف فايسبوكيا وإعلاميا ب”وزير الشكولاط”.

على نفس المنوال كانت وسائط التواصل الاجتماعي فعالة في فرض نقاش ضرورة مراجعة معاشات البرلمانيين والوزراء بعد زلة لسان الوزيرة “شرفات أفيلال” وعبارتها الشهيرة “جوج فرانك” ، وهو ما شكل حرجا لأعضاء المؤسسة التشريعية الذين تبنى بعضهم الموضوع ونقله إلى البرلمان.

أما قضية الأساتذة المتدربين، فإن التفاعل معها لا يقل أهمية مع ما سبقها من قضايا، بل إن التأييد الذي لاقته كان لافتا، فقد غصت صفحات الفيسبوك بالتدوينات التي تطالب بإنصافهم وتعطيل العمل بالمرسومين موضوع الخلاف بينهم و بين الحكومة المتعلقين بفصل التكوين عن التوظيف وتقليص المنحة إلى حوالي النصف، كما تفاعل معها أيضا حقوقيون وجمعوين.

إن تجسيد السخط الشعبي والمعارضة الشديدة على صفحات التواصل الاجتماعي يتوج أحيانا بتحويلها إلى أشكال نضالية واقعية بتنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية ، نذكر منها قضية العفو عن البيدوفيل كالفان، والذي كان يقضي عقوبة سجنية لمدة 30 سنة.

هكذا يتضح أن المعارضة البديلة أو معارضات ما بعد 2011 ، أصبحت ذات تأثير قوي وفاعل في أجندات صانع القرار العمومي، وفي فرض قضايا معينة وجعلها تتصدر الفضاء والنقاش العمومين، وتفرض اتخاذ قرارات ومبادرات ومواقف للاستجابة وإيجاد مخرجات معينة تستجيب للطلب الاجتماعي والسياسي.

لقد أظهرت الممارسة العملية المغربية إذن، أن دور وسائط التواصل الاجتماعي، أكثر إنتاجا مقارنة مع أداء المعارضة التقليدية التي ظلت متأخرة غالبا في التفاعل ومواكبة قضايا المجتمع، بل أصبحت أيضا محط نقد لقصور أدائها الدستوري والسياسي. في الوقت الذي لا يزال فيه الرأي العام ينتظر نتائج تقارير لجان تقصي الحقائق المختلفة المشكلة من طرف البرلمان، تسجل مواقع التواصل الاجتماعي سبقا جديدا مهما بعد إلغاء صفقة تأمين المحصول الفلاحي التي وقعها ثلاث وزراء.