وجهة نظر

السياسة الضبابية

في قصة من الواقع، امرأة وقع ابنها في حب فتاة وأرادها زوجة له، الأم عارضت بشدة فكرة الزواج وأخذت تشكك في نوايا الفتاة وأطماعها في التركة، حاولت جاهدة أن تجعل الابن يعدل عن قراره ويراجع اختياره ولكن هذا الأخير لم يكن مستعدا أبدا وتحت أي مسمى أن يتخلى عن فتاته. تزوج الحبيبان وكانا ينتظران مولودا بعد أشهر قليلة، وكلما كبرت بطن الزوجة كبرت مخاوف الأم من قدوم الوريث و اضمحلت آخر آمالها في التفريق بين الزوجين.

قد تبدو لكم القصة غريبة، كيف لأم بكل مشاعر الأمومة والحنان أن تقسوا على ابنها؟ وماذا ستكون ردة فعلكم إن علمتم أنها عنفت زوجة ابنها لتسقط ما في بطنها وهو في شهره الثامن، لماذا في نظركم أسرد عليكم هذه القصة ؟

الإجابة هي أني أريد أن أستدل من الواقع على ما يحدث في واقع آخر، وهو واقع الحكومة والشعب، وزارة الداخلية ومديرية الأمن ووزارة العدل، علاقة متشابكة معقدة متعدية، كل يتعدى على مسؤولية و مهام الآخر، واقع وطن لايحمي أبنائه لأنهم اختاروا الدفاع عن حقوقهم، واقع غريب غامض ضبابي، فنحن مع إيران ومع السعودية، نندد بما تقترفه إسرائيل ثم نستقبلهم في أراضينا ووسط جامعاتنا، ندعي محاربة الفساد لكن لم يسبق أن عاقبنا من يقترفه، واقع يحاول أن يجعلك أنت الآخر بدون طعم أو لون، إذا قبلت الدخول وسط الملعب السياسي فإما أن تجرفك الضغوطات وتسحقك إن استطاعت وإما أن تشل حركتك بحبل الإستفزازات، فترخيه متى شاءت وتحكم قبضته عندما تحاول أن تلعب خارج السياج و تصبح خطرا عليها، فتذيقك عندها من المر أنواع، أوله الكذب و التبخيس والتحريف وآخره تلفيق التهم والزج في السجون وحتى التصفية الجسدية لأن اللعب مع الكبار يفرض شروطا أكبر.

قرأت مؤخرا تقرير المجلس الأعلى للحسابات في ما يخص أكبر ملفات الفساد وهو بالمناسبة متاح للجميع ملفات منذ 1959 وماكان يطلق عليه حادثة الزيوت المسمومة وإلى فضائح وزراء الحكومة السابقة و صفقات الدواء وشقق باريز والشوكولا والمكتب الوطني للكهرباء وصندوق الضمان الاجتماعي وملفات أخري، العجيب أن لا ملف فتح و لا ملف أغلق، بين البينين تماما كسياسة المغرب الرمادية.

سجنت بعض الحيتان الصغيرة وبقيت الكبيرة إما بكفالة وعدم ثبوت الأدلة وبعضهم خرج من السجن ليحضر جنازة أحد أفراد عائلته ولم يعد إليه وآخرون شملهم عفو الأعياد الوطنية و الدينية، والفظيع في الأمر أن من يختلس هو نفسه من يندد و ينشر ما يريد في منابر موالية له وهو نفسه من يخرج للعلن ويدعي محاربة الفساد ويطالب ربط المسؤولية بالمحاسبة حتى لم نعد نعرف من يحارب من.

سأعوذ بكم إلى قصة الأم التي حاولت إسقاط زوجة ابنها كآخر ورقة لإماطتها عن طريقها، فهذه القصة تذكرني بوطن من المفروض أن يحمي من له نية الإصلاح، ولكن ما نراه غير هذا، فبعض المسؤولين في وطني لا يريدون التخلي عن الأيام الخوالي، أيام الصداقات والصفقات والغفلة والريع، كل وسائل إزاحة الخطر عنهم متاحة ومشروعة من أسماء وأفعال التحكم والخروقات.

آخر كلامي، هو أن ما تواجهه الحكومة إلى الآن من تحريف وقلب للحقائق ماهي إلا مقبلات ولأنها لا تمتلك ضدها ملفات لتبتزها، ستهددها بورقة الأمن و تعثير العمل السياسي و تمييعه، أما مفاتيح الإصلاح و محاسبة الجناة فلن يسلموها بسهولة، لن يسمحوا بتمزيق تكتلهم وقلع جذورهم من أرض أعطتهم الكثير و انتزعوا منها الكثير ظلما وجورا.