مجتمع

مؤتمر البوليساريو.. ديكتاتورية وتكريس القبلية وخلافات داخلية

لم يسلم مؤتمر البوليساريو الذي يختتم اليوم أشغاله في الجزائر، من انتقادات واسعة من داخله موجهة إلى القيادة التي تتحكم في كل شيء منذ أكثر من أربعة عقود، مستعملة في ذلك “دسائس” التحالفات القبلية لإقصاء كل منتقد لها وسياسة العقاب، من جهة، ومن جهة أخرى، استغلال هذا الوضع في إشاعة ممارسات الفساد واستغلال المساعدات الإنسانية الموجهة إلى لمحتجزين في مخيمات تندوف ليستغلها ذوو المصالح والنفوذ داخل الجبهة الانفصالية.

ديكتاتورية مطلقة

في غياب لأية عملية انتخابية، تمت تزكية محمد عبد العزيز أمينا عاما لجبهة البوليساريو ورئيسا لـ “الدولة الصحراوية” الوهمية للمرة الثانية عشر على التوالي صبيحة يوم أمس الاثنين بمناسبة المؤتمر الشعبي العام للبوليساريو الذي انطلقت أشغاله الأربعاء الماضي.

وجاء انتخاب عبد العزيز للمنصب “الأهم في الحركة” في غياب منافسين له، ليظل منصب الأمين العام محصورا فيه خالفا نفسه على رأس البوليساريو، ليستغني المؤتمرون عن اللجوء إلى عملية الاقتراع السري والمباشر بل بالتزكية.

وخلف تزكية عبد العزيز بتلك الطريقة استياء العديد من المؤتمرين، الذي رأوا بأن “تكريس نفس الأساليب مازال مستمرا، وأن المؤتمر أكد للمتتبعين لا يعدو أن يكون مسرحية بائسة الإخراج وهرمت الوجوه التي شاخت وتجر القضية الى مالا تحمد عقباه.”

وينتقد الغاضبون وقوف الرئيس في وجه أي عملية إصلاح لنظام جبهة البوليساريو، “حيث تصرف في أشغال المؤتمر خارج إطار القانون وتدخل أكثر من مرة ومرر كل ما يريد تمريره من قوانين تسمح له ببسط سلطاته التي تفوق سلطات الكثير من الملوك في العالم.” كما أنهم يتهمونه بتغيير مجرى الأمور ب”دفن خيار القاعدة الشعبية تحت أقدام الأمانة برفضه لمقترح تقليصها أو الحد من صلاحياتها.” بعدما كان تم تقديم ملتمس يتعلق بالحد من السلطات المطلقة للأمانة العامة.

ديمقراطية الطمأنة.. !

انطلقت صباح اليوم الثلاثاء عملية انتخاب الأمانة العامة للبوليساريو، بعدما حددت لجنة الانتخابات القائمة في 182 مترشحا، فيما كان مقررا لها أن تبدأ مساء أمس. وتتم العملية حسب مصادر من المؤتمر في غياب مراقبين مستقلين لتقييم العملية، لأن “رئاسة المؤتمر كانت قد طمأنت المصوتين بأنها اختارت الكفاءات النزيهة والمسؤولة لإدارة العملية الانتخابية … !!”

لم تسلم جلسات المؤتمر من نقاشات صاخبة، أفضت إلى تدخل عبد العزيز أكثر من مرة قصد تطويقها، من قبيل ما وقع خلال جلسة ليلة السبت/الأحد حول نقاش مقترح لجنة القانون التي كانت مثار خلاف، إلا أنه مع بداية عملية التصويت عليه طلب عبد العزيز التدخل لـ”يوجه المؤتمرين بشكل صريح” إلى ما يسعى النظام لتمريره ضمن مواد القانون الأساسي للجبهة، إلى درجة أنه في كل مرة كان يتدخل فيها، كان يتحول خلالها اتجاه المصوتين نحو خياراته وأعوانه “الذين كانوا منتشرين في القاعة بصفة كبيرة ويقومون بالتأثير” على نتائج التصويت في ظل اعتراض جزء كبير من المؤتمرين.

وحالة الاستياء والغضب التي خلفها مؤتمر الجبهة في أوساط العديد من المؤتمرين دفعت بالبعض إلى التصريح بأن “رسائل عبد العزيز قلبت الطاولة على المتفائلين في إحداث تغيير وحددت مسار نتائج الانتخابات قبل ان تبدأ ، ومثلت استمرار في السياسة القديمة التي تدفع ثمنها القضية برمتها مايجعل من المؤتمر خيبة أمل جديدة “

إقصاء واحتجاج

لم تقتصر جوقة الغاضبين داخل مؤتمر البوليساريو على المؤتمرين، بل أيضا داخل أوساط كوادر الجبهة، بعد إقصاء وزير التعاون السابق في الجمهورية الوهمية الحاج احمد وممثل الجبهة في أمريكا اللاتينية من الترشح ضمن قائمة الأمانة العامة، ما جعله يغيب بالمرة عن حضور المؤتمر، “في عودة واضحة إلى سياسات العقاب والإقصاء الممنهج التي تمارس ضد أي صوت يعارض سياسات البوليساريو الفاشلة” مثلما صرح به أحد المؤتمرين لبعض وسائل الإعلام.

وكان هذا القيادي داخل البوليساريو قد وجه رسالة إلى قيادة البوليساريو عشية انعقاد المؤتمر 14 للجبهة ينتقد فيه سياسات البوليساريو، خاصة منها تفشي ظاهرة القبلية في التعيينات الدبلوماسية واستشراء الفساد، وهو المقال الذي أثار جدلا واسعا وصل صداه إلى المؤتمر.

إلى ذلك، أوردت رسالة الحاج أحمد عن عدم الرضا تجاه “سوء إدارة سياستنا الخارجية، لأنه من غير المعقول تسجيل بعض الانتكاسات الدبلوماسية في بعض البلدان التي بذلنا مجهودات كبيرة من اجل ضمان اعترافها بالدولة الصحراوية، ولم نبذل المجهود الكافي من أجل استعادة تلك العلاقات، أوعلى الأقل وضع حد لمسلسل التراجع الدبلوماسي”، قبل أن يشير إلى اختلافه مع الاعتماد على المعايير القبلية بدل الكفاءات في اختيار السفراء والممثلين، ما اعتبره عامل ضعف رئيسي على الصعيد الخارجي.

وأشارت الرسالة إلى الخلافات والتناقضات العديدة مع بعض رموز السلطة، وتحديدا في موضوع تسيير المشاريع الإنسانية والتعاون، والتي تم التعامل معها “بطريقة استعجالية من خلال إقصاء و إبعاد المتسبب في هذه الوضعية غير المريحة لتلك الرموز.” منتقدة صراحة “الخلفية الشمولية والعقلية المتعصبة الموروثة من الماضي هي التي لازالت تتحكم في تقييم أو محاكمة اي سلوك فردي، وبالتالي، فمن السهل على أصحاب هذه العقليات عزل واضطهاد أي أفكار جديدة.” كما أشارت إلى هيمنة سياسة “الدسائس” و”التحالفات القبلية”، بدل صراع التيارات والسياسيات، يضيف المسؤول السابق في البوليساريو.