أخبار الساعة

“سيأتي الملك” رواية جديدة للكاتب المغربي محمد بن زكور

عبد الحفيظ الشريف / أمستردام

MOHAMMED BENZAKOUR, DE KONING KOMT, DE GEUS, 2015

صدرت في الأيام الأخيرة للكاتب المغربي الهولندي ذو الأصول الريفية الأمازيغية محمد بن زكور (1972)، رواية جديدة باللغة الهولندية تحمل عنوان “سيأتي الملك” عن دار النشر دوخوس. مدار الرواية ذو بعد اجتماعي صرف، أما أحداث الرواية فهي تدور في منطقة الريف في شمال المغرب، وخاصة في مدينة أزغنغان وضواحيها، التي وصفها الكاتب بالأماكن المنسية والمتسخة والقذرة، إيماء منه إلى ما تعرفه المنطقة من تهميش ممنهج.

تتناول الرواية قصة شاب مغربي، متعلم ومثقف، يدعى مبدع، قرر أن يغادر هولندا وأن يولي وجهه شطر البلد الأصل، ملبيا نداء أمه التي طالما حلمت بأن يحظى ابنها بالزواج من بنت أصل من الوطن، تتقن ما تستهويه الأم من وجبات وعلى دراية بالعادات والتقاليد المغربية العريقة. قرر مبدع العودة إلى المغرب (الريف) للبحث عن شريكة حياته وعن حبه الأزلي، هذه المرأة التي تتقاسمه جملة خصائص ومميزات: كونها تتقد إنتعاشا برائحة الوطن، ولعبت تحت أشعة الشمس الإفريقية الذهبية، وكونها أيضا رضعت حليب أم مغربية كالذي رضعه مبدع، إنها قصة شاب مغربي ولد بالمغرب وتجذرت أصوله فيه، لكن أغصانه كبرت وترعرعت واستوت على سوقها في قطر أوربي بارد وصغير، ألا وهو هولندا، فعلى الرغم من أن هذا الفتى كان من إمكانه أن يتزوج من الفتيات الهولنديات الشقروات، اللائي لا يرى فيهن نقصا أو عيبا أو هن محض ازدراء، فهن في نظر مبدع جميلات، حسناوات ولطيفات، هن ذوات مستوى دراسي لابأس به، و ذوات مكانة اجتماعية واقتصادية معتبرة، لكنه أبى إلا أن يعود إلى أصله للبحث عن شريكة حياته في ظل حضن هذا الوطن الدافء.

قرر مبدع الاستقرار في بيت والده الذي بناه من عرق جبينه، من جراء عمله في إحدى الشركات في هولندا، هذا البيت القابع بإحدى قرى مدينة أزغنغان، إنها قرية أولاد علي، من هناك قرر أن يستهل مغامرته للبحث عن شريكة حياته، وأن يخوض معاركه الدنكشوطية للعثور على زوجة له، بناء على مطالب أمه واستنادا إلى شروطها. إستسهل الأمر في البداية، وظن أن القضية كلها ستكلفه أياما معدودات لا غير، لم لا، وهو العائد من أوربا مثقلا بأكياس من المال، والجاه و الحسب والنسب، فهو من أسرة معروفة، شهد لها الجميع بالحظوة والمكانة المتميزة.

1- شاءت الأقدار أن يتعرف مبدع على بغلة الجارة فظمة، وأن يخوض معها سجالات سفسطائية في شتى الموضوعات والمجالات، هذه البغلة التي تشاركه كثيرا من النزوات الإنسانية، كشغفها الكبير إلى أكل الحلوى ذات المذاق النعناعي، بهدف إنعاش فمها، كي تكتسب الجرأة أكثر للحديث مع الفتى مبدع في قضايا الدين والإجتماع و الثقافة والسياسة. استغرق الحبك السردي للرواية 377 صفحة، كي يدرك الفتى مبدع أن رحلته كانت مجرد وهم وسراب، وأن البغلة خدوج كانت على وعي تام بمجريات الأمور، وبحقيقة الحياة وصعوباتها، لما وصفت رحلة بحثه هذه بالعملية المجنونة* كونه ربط الحب بالزواج1( الصفحة 101و 102). “Nou, “Moebdi, ik wens je natuurlijk alle zegen en geluk van de wereld, maar ik vrees dat je bezig bent met een stupide onderneming” P 101 – 102”

إن الرواية تعكس بعمق قضية مركزية، تكمن في مسألة الصراع بين عوالم التقاليد والخضوع لأساليب الماضي وسردياته، وبين عوالم الحداثة والتمدن وما تفرزه من نظم قيم ونماذج حياة، كحرية الفرد في تقرير مصير حياته وحق الفرد في اختيار شريكة حياته والفردانية والاستقلالية في أخذ القرار دون الرجوع إلى مرجعيات أخرى، فالكاتب يرى أن الحسم في موضوع الحب و الزواج كفيل بأن يجنب كثيرا من الأسر داخل منظومة المجموعات الإثنية في أوربا عامة و هولندا على وجه الخصوص، الكثير من الويلات وتاريخا كاملا من الآلام والأحزان.

و في الأخير أود أن أتوقف لبرهة عند عنوان الرواية، “سيأتي الملك”، إذ أنه من الصعب جدا التكهن بكنه وحقيقة هذا العنوان ومغزاه بالنظر إلى متن الرواية، لكنني أكاد أقول: أن الناظم الذي  نظم الحبك الروائي منذ الصفحات الأولى إلى آخر الرواية، كانت قضية مجيء الملك إلى المدينة، عنيت مدينة أزغنغان التي بها أحد قصور الملك والمطل على الشارع الرئيسي للمدينة. فقد نجح الكاتب أن يسمو بفكرة مجيء الملك إلى جعله أقرب للمجاز من الحقيقة أو للخيال من الواقع.

فحضور زيارة الملك في المخيال الجمعي عند عامة الناس، وبخاصة لدى الأطفال، ارتبط بالطابع الأسطوري الذي أضفي على شخصية الملك، لكن إصرار مبدع على معرفة وقت مجيء الملك و متابعته للأشغال المصاحبة لهذه الزيارة، جعلت منه شخصية مشاركة في صناعة المشهد والتحكم فيه إلى نهاية الرواية، وذلك بالبحث عن الحظوة التي يريد أن يفوز بها عند الملك، تشريفا و تكريما له على ما بذله من جهود جبارة في تفعيل أبناء البلدة في جمع الأكياس البلاستيكية المترامية على جنبات الطريق، ومساهمة منه في تنمية المنطقة التي عاد إليها، لكي يبحث عن شريكة حياته بين حناياها، و في الوقت ذاته حاول نقد الممارسات اليومية التي تصاحب هذه الزيارة من طرف السلطات المحلية، وبذلك يكون قد فضح وعرى أيضا واقع الزيف والحرمان الذي تعرفه المنطقة.

ـــــــــــــــــ

* محمد بن زكور

ينحدر من أسرة مغربية ريفية من منطقة أولاد علي بإعلاتن التابعة لمدينة أزغنغان، حملها شظف العيش وقسوة الحياة على الهجرة باتجاه الشرق- الجزائر-، إذ لم يكن أحد على علم بما تخفيه مقبلات الأيام من مفاجآت، فكان الشرق الفضاء الذي شكل أسرة بن زكور، بعدئذ هاجرت الأسرة مرة ثانية، لكن الهجرة هذه المرة كانت صوب هولندا، إلى إحدى ضواحي مدينة روتردام، إذ لم يكن محمد قد تجاوز سنه الثالثة بعد.

فيها ترعرع واستكمل تعليمه الجامعي في مادة علم الاجتماع، وتجدر الإشارة أنه تتلمذ على السياسي اليميني المتطرف “بيم فرتاون” الذي اغتيل سنة 2002، من طرف أحد النشطاء الخضر لآرائه اليمينية.

ظل محمد طيلة العشر سنين الأخيرة، مساهما في النقاش الدائر في الأوساط الثقافية والسياسية الهولندية، حول قضايا الدين، الهجرة، التعدد الثقافي والهويات.

من أهم رواياته، روايته التي صدرت سنة 2013 بعنوان:”يما”، التي تحكي معاناة أم محمد بن زكور مع المرض الذي ألم بها فجأة، فقادتها الأقدار إلى إحدى المستشفيات للعلاج. عملية جراحية واحدة كانت كافية لكي تجعل من أم محمد جثة هامدة، متخشبة على إحدى أسرة المستشفى، لا تقوى على الحركة ولا على أن تبوء ببنة شفة، فكتب محمد روايته هذه يحكي ما عانته أمه من جراء هذه العملية وما صاحبها من آلام ومحن وقت مكوث الأم في عيادات ومستشفيات هولندية مختلفة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرواية لقيت ترحيبا واهتماما كبيرين من لدن الأوساط الثقافية والأدبية في هولندا، كما أنها فازت بالعديد من الجوائزالأدبية.

(لمزيد من الاطلاع راجع: مقال “يما” رواية للروائي الهولندي من أصل مغربي محمد بن زكـور: عندما تصمت الأم! لعبد الحفيظ الشريف، جريدة القدس العربي)