وجهة نظر

التعليم أصل الداء ومنبع الدواء

لقد كانت أول حملة لضرب معاقل الأمية والتخلف والارتفاع لمقام العلم والتعلم في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, حيث أفدى كل أسير من أسرى بدر نفسه بتعليم عشرة من الصحابة القراءة والكتابة..

محمد “الأمي” الذي أرسل لبناء حضارة عامرة كانت أولى اهتماماته هي الرقي في مدارج التعلم لإيمانه العميق بأنه يمثل أحد دعائم بناء نهضة أممية إن لم يكن أهمها.

ولا يختلف اثنان أن إحدى أهم الأزمات الحقيقية التي يمر بها العالم العربي و الإسلامي هي معضلة التعليم التي تشكل عائقا أساسا في تعطيل عجلة النهضة المرتقبة, والتي يشكل أحد أهم مظاهرها ضعف مستوى المعرفة والتحليل والابتكار عند الفرد العربي.
لقد كان التعليم ولا زال المسار الأول لبناء الأمة وبتقهقره تراجعت وانتكست, إذن هل يمكن له أن يعاود النهوض في أمة نخرها الجهل والتطرف والوهن؟؟ وإن تكاثفت العزائم والإرادات وتراصّت الصفوف لأجل إعادة التعليم لمكانته المجتمعية, ما الشروط التي يقوم عليها ذلك ؟

لقد استهدفت الأمة العربية منذ زمن هوياتيا وثقافيا, وكان أول مداخل هذا الوهن إضعاف قطاع التعليم من طرف قادة القوى الاستعمارية, ومع خروج المستعمر من هذه الأراضي ترك جيشا من الأميين , ولم يشف غليله هذا فقط بل كون جيشا آخر مُسمَّم الهوية والأصل يدعم ويعين المستعمر- بقصد أو دونه – من الداخل ويضمن هذا الأخير استمرارية نفوذه وسلطته , فكانت تضرب عمق اللغة المحدد الرئيس لهوية العرب, حيث نجد كمثال لا للحصر في المغرب فرنسة الشًّعب العلمية في التعليم العالي والذي يشكل أكبر عائق أمام التحصيل العلمي والمعرفي إذا أضفناه إلى تردي نوعية وجودة التعليم , الشيء الذي أدى إلى شلل على مستوى الإنتاج.

ولعلي هنا أستحضر نماذج لدول و كيانات تعتبر رائدة في مجال الإنتاج العالمي لا تكاد ترى خرائطها لصغر نسمة سكانها ومساحاتها الجغرافية, لكنها ’صرت أن يقوم تعليمها على لغتها القومية كالدول الاسكندينافية والكيان الصهيوني, والعكس لا يصح إن ترجلنا إلى دول أفريقيا الوسطى التي اتخذت من لغة المستعمر لغة رسمية لها ضاربة بعرض الحائط كل ما يثبت هوية وثقافة هذه الشعوب, وأترك لكم المجال لتقارنوا عجلة النمو في كل المجالات بين كلا القطبين .

إذن إن كل ما تتخبط به المجتمعات العربية أو ” السائرة في طريق النمو” من إشكالات كان لها مدخل أساس ورئيس من جهة التعليم حيث بسطت نتائج تقهقره أجنحتها على جميع القطاعات, فالاقتصاد العربي في تراجع مستمر والنسيج المجتمعي يتفتت, لتتفجر معهما كل الظواهر المميتة للمجتمع من تطرف وفقر وتخلف ووهن.

إذن, إذا كان التعليم أصل الأزمة, فإعادة تجديده بما يتناسب مع مقومات النهضة الأخرى كاللغة والهوية هو الضامن الأساس لانطلاقة سليمة عبر نهضة شاملة.

ــــــــ
أسماء بلكاوي