وجهة نظر

مجلس اليزمي بين حقوق الإنسان وعقوق الرحمن

 

إن مما يملأ الآذان في المغرب الحبيب، كثرة الشعارات والأسماء والمسميات واللافتات، من مثل دولة المؤسسات، والحق والقانون، والبرلمان والدستور، والحقل الديني والمجالس العليا، والهيئات المنتخبة والمجتمع المدني، ناهيك عن الجهات والمنظمات وما إلى ذلك،! حتى تكاد تشعر أنك فـــــــي (الدولة الفاضلة) أو في (مملكة سليمان .)

ذلك أننا حينما نتأمل قليلا في مضمون هذه الأشكال والأسماء، يهزنا الطرب ويعترينا الانتشاء، غير أنك بالتأمل مرة أخرى لا تكاد تجدها إلا مؤسسات للإديولوجيات والنزوعات والمذهبيات، تمثل جزرا متناثرة لا يربطها خيط هوية ولا ولاء.

هذه تمثل علمانية لا صلة لها بالعلم، وتلك تمثل فرانكفونية تجمع في حضنها اللقطاء.

وتلك تمثل كهنوتية همها التدجين والتدجيل وتضليل البسطاء.

وتلك دستورية (تدَّعي) لكنها تمثل رأس مالية بيروقراطية لا تتقن إلا الكلام والجدال العقيم والتظاهر والرياء، وتلك تدعي أنها حقوقية، لاكنها في حقيقتها (عقوقية) لا يظهر لها الظلم أو الحق إلا إذا تعلق بجرأة ووقاحة النساء!؟ والشباب الطائش والشاردات والشاردين.

صيحات وصيحات يردد صداها شعب مسكين مسكَّن أصابه فقر الفكر ـ بعد فقر الدم ـ بسبب صداع إعلامي ديماغوجي هجين.

وآخر هذه الصيحات ما تجرأ به بعد ( أن تجرع ) مجلس اليزمي الذي أنساه التجرع أنه يتجرأ على دين، وما أدراكم ما هذا الدين، وأنه في دولة منحه ملكها وشعبها مؤسسة من أخطر المؤسسات، مؤسسة تمثل الضمير وتمثل العدل وتؤسس الاستقرار همها أن تُعنى بالفقير قبل الغني، وبالجاهل والغبي، وبالرجل مع المرأة، وبالطفل والشيخ الكبير، وبسكان الجبال قبل سكان السهول والضيعات والقصور، وبلابسي الخرف والأسمال وراكبي البغال والحمير، قبل لابسي البدلات ولابسات الميني والبنطال والقفطان الحريري وراكبي وراكبات الكاط كاط والطائرات التي تسبق سرعتها سرعة الزهير.
كان على مجلس اليازمي ـ أن يحسن قراءة السياق والمساق والدستور والقوانين وكل الأوراق، ويحترم الدين والمشاعر والهوية والأخلاق وحتى الأذواق.

وكان عليه أن يحترم أول ما يحترم حق الشعب المغربي المسلم الذي اختار ملكية من أهم أوصافها إمارة المؤمنين، واختار دستورا من أهم خصائصه الحفاظ على الهوية والثوابث وعلى رأسها الدين.

إن هذا ( اليزمي ) والملأ المحيط به نسوا أن هذا المجلس هو ملك للأمة، وليس ملكا لأحد مهما علا شأنه، أو ظن أنه من شعب الله المختار ونسوا كذلك أن مؤسستهم ليست أم المؤسسات، ولا وحيدة المؤسسات، ولا سيدة المؤسسات، وإنما هي مؤسسة في رقعة الشطرنج تساهم في توازن اللعبة الديمقراطية حتى لا يكون في البلد غالب ولا مغلوب، حتى وإن كان فيها جاذب ومجذوب.

إن مجلس اليزمي وقع في أزمة وورطة سيظل مستميتا في التوضيح والتبرير والتعليل والتفسير، رغم أنه لن يفلح، وإن نسى أو تناسى أنه تسبب في عدة إحراجات، منها ما يعني مؤسسة إمارة المؤمنين، ومنها ما يعني المجلس العلمي الأعلى، ومنها ما يعني الرابطة المحمدية، ومنها ما يعني المجلس الدستوري، ومنها ما يعني البرلمان، ولو تكلم كل هؤلاء ـ وياليتهم تكلموا ـ فإن كلامهم سيدين اليازمي وملأه بالعقوق والمروق.

وإن بقوا ساكتين فإن سكوتهم مريب، وريب في ريب في ريب.!؟

إن المجلس الحق لحقوق الإنسان هو من يعنى بالدفاع عن حق الكرامة والحرية والمبادئ والهوية وثوابت الأمة وعلى رأسهما شريعة الرحمان، قبل أن يدافع عن نزوات ونزوعات النسوان، وشتان بين مجلس حقوق الإنسان ومجلس حقوق عقوق الرحمن.