وجهة نظر

مصير الإصلاح بالمغرب في سياق الردة الإقليمية

مما لا شك فيه أن مرحلة الانتقال الديمقراطية هي أصعب المراحل التي تواجه أي دولة سائرة  وتتطلع لديموقراطية ودولة الحق والقانون، ودليل ذاك ما حدث في عدد من بلدان الربيع العربي من مسلسل من التراجعات والارتدادات كان سببها عدم الادراك الحقيقي لحساسية هذه المرحلة ولأهميتها الاستراتيجية ، وهنا لدينا نموذجين مهمين يستدل بهما للحديث عن هذه المرحلة الدقيقة وهما النموذج التونسي والنموذج المصري إضافة لسيناريو الاحداث في ليبيا ،لكن في المغرب لديه خصوصيته لذاك ارتأيت الحديث عنها في ظل ما يشهده المغرب من تحولات مهمة خصوصا في آخر ولاية لحكومة الإصلاح التي جاءت بعد الحراك العشريني .  

حسب الباحثين في الحقل السوسيو-سياسي فإن هذه المرحلة دقيقة جدا لعدم استقرار الامن خلالها وأيضا لان فلول وبقايا الانظمة السابقة أو ما يصطلح عليه بالدولة العميقة تكون أكثر نشاطا في هذه المرحلة وعدم حسن تدبير والتفكير العميق وبعد النظر قد يؤدي للارتداد وعودة الانظمة السابقة ليس كأشخاص وإنما كأنظمة حكم ويعود خلالها الاستبداد وما كان عليه ما قبل الحراك أو الثورة.                         

هناك نموذجين يستدل بهما كثيرا في إقليمنا العربي بعد ما شهده من حراك ديموقراطي نادى بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وهذين النموذجين هما أولا : نموذج التوافق الذي حققه السياسيون في تونس حيث كان التوافق سيد المرحلة والتدبير المشترك قاعدة لجميع مراحل الانتقال الديموقراطي ويعد هذا النموذج مثلا يحتدى به في المنطقة خصوصا بعد ما آلات إليه الاوضاع في كل من مصر وليبيا و اليمن، أبرز ما شهدته تونس في هذه المرحلة هو التنازل الكبير الذي قدمته حركة النهضة ذات التوجه المحافظ ، حيث لم تقدم مرشحا رئاسة وأيضا إكتفت بوزير واحد في حكومة الصيد الحالية.                

المثال الاخر والذي يعد انتكاسة حقيقة لديموقراطية في العالم ككل والوطن العربي تحديدا هو النموذج المصري الذي شهد كما يعلم الجميع انقلابا عسكريا بعد مظاهرات 30 يونيو 2013 م ، حيث كان المطلب الرئيس في هذه المظاهرات هو تحديد تاريخ لانتخابات رئاسية مبكرة بعد ما قم به الرئيس المنتخب مرسي من إعلان دستوري اعتبروه تكريسا للاستبداد، هذا الانقلاب دعم من دول عربية لا تريد الديموقراطية ولا يهمها انتقال العالم العربي لمصاف الدولة المتقدمة ، مرسي والاخوان المسلمون في مصر وفي جميع المحطات الانتخابية التي تلت ثورة 25 من يناير تصدروا فيها وا ستفردوا الى حد ما بالسلطة وهنا الخطأ الذي ارتكب فهذه المرحلة وهي مرحلة الانتقال الديموقراطي تتطلب إشراك الجميع فعليات مدنية ومحافظة وأيضا شبابية ، رغم ذاك كان على التغيير أن يكون بنفس الطريقة التي صعد به مرسي وهي الانتخابات والرضى بما تفرزه صناديق الاقتراع ، بدل ما تشهده مصر حاليا من دكتاتورية وعودة لرموز النظام السابق وأيضا شلل تام في الجامعات وملأ السجون بالنخبة المثقفة والمعارضين لسياسات السيسي . هناك نموذج ليبيا والتي لم تصل بعد لمستوى أن يتفهم الاشقاء الليبيون على نظام الحكم وهذا طبيعي لان القذافي حطم أركان الدولة وجعل الدولة في شخصه فلما سقط سقطت الدولة وأيضا التركيبة السكانية لليبيا التي تتكون من العشائر والقبائل ساهمت في عدم استقرار الاوضاع لحد اللحظة .                                                                                                  

الانتقال الديمقراطي في المغرب في هذا السياق الذي يشهد ارتدادا أو تراجعا لدول التي شهدت حراكا سياسيا واجتماعيا لديه خصوصية ، بعد الحراك الاجتماعي الذي حصل تم تعديل الدستور والمرور للانتخابات نيابية فاز فيها العدالة والتنمية بأغلبية المقاعد ، وتم تشكيل حكومة بصيغتها الاولى بتحالف ما بين حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكي ذو التوجه اليساري  وأيضا حزب الحركة الشعبية . عجزت هذه الحكومة عن التقدم الحقيقي في مسلسل الاصلاح كنتيجة حتمية لما قيل عنه أن بعض الاطراف تحاول فرملة عجلة الاصلاح ولا تريد تقدمه ، بعد ذاك انسحب حزب لاستقلال من الحكومة وتم اشراك حزب التجمع الوطني للأحرار،هنا إشارة مهمة إلا أن مجموعة من المتتبعين اعتبروا أن العدالة والتنمية أبدت نوع من الحساسية اتجاه المؤسسة الملكية وأيضا القصر حرص على عدم فشل هذه التجربة نظرا لاعتبارات متعددة أهمها الحفاظ على الاستقرار في أفق الصلاح الشامل.                  

هذا على المستوى السياسي لكن على المستوى الاجتماعي فقد عرفت قرارت هذه الحكومة تردد و عدم رضى مجموعة من المنتمين لذوي الدخل المحدود كنتيجة لزيادات التي حصلت في بعض المواد الاستهلاكية ، لكن برغم ذاك جاءت انتخابات 4 من شتنبر لتعيد تشكيل الخارطة السياسية للمغرب في البلديات والجهات  هذه الانتخابات التي فز فيها العادلة والتنية الى جانب الاصالة والمعاصرة ، والتي اعتبرت كاختبار حقيقي لمسار الاصلاح ومسيرة الحكومة التي يقودها الحزب ، لكن تبين في ما بعد وفي إطار تشكيل التحالفات على أن الاحزاب في المغرب تتسابق نحو المناصب ونحو الاستفراد بالمكاتب المسيرة لهذه البلديات والجهات، وهنا إشارة مهمة إلا أنه حدث تصدع داخل هذه الحكومة بسب التحالفات حيث أن أحزاب الاغلبية اتفقت سالفا على تشكيل مكاتب مسيرة في المناطق التي تفوز بها بالأغلبية لكن ثبت محاولات لنقض هذا الاتفاق وهو ما كاد يعصف بأول تجربة حكومية للإسلاميين في المغرب .          

قدم العدالة والتنمية مجموعة من التنازلات التي اعتبرها بعض مناضليه على أنها تراجع للإصلاح ومن بينها صندوق الدعم العالم القروي الذي تم اسناده للوزير أخنوش بدعم من بن كيران بعد صراع داخل الحكومة ، وهو ما عتبره مناضلوا الحزب تراجعا حقيقيا لمسار الاصلاح وعودة لدولة العميقة التي تريد الهيمنة على المشهد السياسي في المغرب بمنطق التحكم .                                                   

الاساس أن تدبير مرحلة الانتقال السياسي في المغرب في ظل دستور 2011 شهدت تنازلات قدمها العدالة والتنمية لصالح المتواجدين معه في الحكومة وبالتالي لم يعد الاهتمام بالمواطن بقدر ما أصبح الاهتمام بالتحالف الحكومي وبقائه الى حين موعد الانتخابات البرلمانية 2016 ، وما شهده المغرب خلال الايام الماضية من مظاهرات واحتجاجات ليست في صالح هذه الحكومة بل باعتبره البعض أنه يعكس التخبط والتردد الذي تعيشه هذه الحكومة في تدبير عدد من الملفات أبرزها صندوق تنمية العالم القروي وملف الخدمة الاجبارية الصادر عن وزارة الصحة ومرسومي فصل التكوين عن التوظيف الصادر عن وزارة التربية والوظنية والتكوين المهني ، هذا عموما ما آلات إليه مرحلة الانتقال الديموقراطي في المغرب والذي يشهد منعطفا حاسما خلال الايام القادم نظرا لتواجد أحزاب ينظر إليها على أنها أحزاب تحكم تتواجد بقوة وتعود لساحة السياسية في المغرب في انتظار ما ستأول إليه الامور بعد انتخابات  2016.