وجهة نظر

قوة العدالة والتنمية في بيته الداخلي

البيت الداخلي يشمل الأمة ،والشعب،والهيئة والحزب.والبيت الداخلي إما قوي أو ضعيف.لكن ما البيت الداخلي في الأدبيات المعاصرة؟ أو ليس تلك الأجواء التي تسود داخل الهيئات والمنظمات والأحزاب؟ أو ليس ذلك النظام الذي تسير وفقه تلك المؤسسات؟ لنأخذ الحزب مثالا لهذه المؤسسات التي سال مداد كثيرين حول أوضاعها أو لنقل بيتها الداخلي.فقوة الحزب في قوة بيته الداخلي،وقوته الداخلية هي الحصن الحصين من الجراثيم الخارجية ،والملوثات التي قد تضعف جسده ،وتجعله عرضة للانهيار أو لقمة سائغة بين أضراس المتربصين وأيدي العابثين بالبلاد والعباد أو محط فرجة للخصوم السياسيين أصحاب الفرص الضائعة ،إذ لا صوت عندهم يعلو فوق المصالح الشخصية والامتيازات دون وجه حق.لكن كيف السبيل إلى بيت داخلي قوي؟

من باب الحكمة ضالة المؤمن، استوقفتني عبارة مافتئ رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يرددها ويكررها في خطبه ولقاءاته مع إخوانه:”اضمنوا لي أنفسكم أضمن لكم المسقبل”. هذه الجملة تحمل أكثر من دلالة،فالرجل لايتكلم من فراغ ويعرف أن قوته الحقيقية يستمدها –بعد شرعية الصناديق- من محيطه الحزبي.وهو الذي يرى نصب عينيه أحزابا وطنية فقدت استقلالية قرارها السياسي،وأخرى تتهاوى أو تخشى الخروج عن ما رسم لها من خطوط حمراء.وما رأيناه من معارك مصنوعة كان أبطالها زعماء سياسيين في مواجهة رئيس الحكومة لخير دليل.فعندما يصبح زعيم سياسي يستهزئ من رئيس حكومة أو يتهمه بالداعشية والولاء للتنظيم العالمي للإخوان، فضنه استجابة للتحكم ولا تسأل عن الخبر.

إن السبيل إلى بيت داخلي قوي، عماده الديمقراطية الداخلية والشفافية والوضوح مع المناضلين وربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن يؤمن الفرد أنه يحمل مشروع حزب وليس مشروعا شخصيا يسير فيه وفقا لأهوائه.ومن تم، محاسبة النفس قبل أن يحاسبها الغير الذي إليها انتماؤه أو لا تنتمي إليه (وهي الطامة الكبرى )،حتى لا تخدش صورة الحزب أمام المجتمع ويسقط من أعين المواطن،وهي السقطة التي كثيرا ما ينتظرها الحاقدون على المشروع والانتهازيون من المطبعين مع الفساد والتحكم. وغير بعيد، رأينا رصيد أحزاب وهيئات-كان يضرب لها ألف حساب- يتآكل رويدا رويدا ،لما شُغِلت بالسباق نحو المناصب ،وانتشرت في صفوفها الولاءات للأشخاص والكولسة والتنازع حول المواقع وتصفية الحسابات،وفضلت الصعود إلى أبراج عاجية وابتعدت كل البعد عن خدمة المجتمع ،فلا تأطير، ولا تواصل، ولا ارتقاب للمواعد، عدا قضاء الأغراض والمصالح الشخصية والحزبية الضيقة.

لعل زعيم حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران بحكمته وخبرته قد فطن لذلك، وهو الذي لم يتردد يوما في تلبية النداء بالتواصل مع المواطنين حتى ولو كان على حساب صحته وأسرته. لأنه يعرف كل المعرفة أنه يمثل مشروعا سياسيا،وأن هذا المشروع يحتاج المزيد من التضحية وهو الذي ضحى من أجله ما يزيد عن ثلاثين سنة معية إخوانه أقلهم دخل السجن في زمن الرصاص. وها هو المجتمع يعاقب تلك الأحزاب التي باعته بأبخس المصالح عندما أدرك أن لصوته قيمة مع هبوب الرياح العربي سنة 2011.وأعطى الثقة لحزب العدالة والتنمية.لقد راقب الشعب من بعيد المعارك الضارية التي خاضها الحزب مع لوبيات الفساد لمدة أربع سنوات،من دسائس وتشويه وكذب وبهتان وإشاعات مغرضة في الإعلام المأجور مكتوبا كان أو مرئيا.كل هذه المحاولات المشوشة، باءت بالفشل لأن خَيِّرِي العدالة والتنمية حرصوا دائما على النزاهة ونظافة اليد والقناعة وضرب المثل في كل شيء. ولعل قوتهم دائما كانت من قوة بيتهم الداخلي الذي لا يخشى لومة لائم في محاسبة أي عضو يخطئ وفي الوقت المناسب.فليس من السهل أن يتقلد شخص من هذا الحزب مسؤولية إلا بعد أن يخرج من عين الإبرة خلال جميع المراحل من الاقتراح حتى التزكية.وها هو الشعب مرة ثانية ، يكافئ العدالة والتنمية في انتخابات 04 شتنبر2015 ويسلمه تسيير مدن كبرى كان عصية عليه حتى في الأحلام مع ما قيل في وسائل الإعلام الالكترونية من استعمال عديدين للمال الحرام ولكن الله كتب ما كتب.

إن تجسيد حزب العدالة والتنمية لحياة سياسية متخلقة مبنية على الديمقراطية ،والشورى،واحترام القانون، والمؤسسات والوضوح والشفافية-داخليا وخارجيا -هي النقطة التي قَوَّته وجعلته كبيرا في أعين المواطن المغربي، فغدا بيته الداخلي مرتبا يصعب اختراقه، لاسيما وهو حزب ذو مرجعية إسلامية يستحضر البعد التربوي القيمي والأخلاقي في تعامله مع حلفائه ومنافسيه،والأمانة في تعامله مع الشعب والمؤسسات الدستورية.ولهذا،فإذا خرج الحزب عن هذا النهج ،ولم يدرك منتخبوه أن تدبير الشأن العام تكليف وليس تشريف،فقد يزيغ عن المسار الصحيح الذي ارتضاه لنفسه من يوم تأسيسه إلى أن قام بمراجعات قرر على إثرها الدخول لغمار المنافسة السياسية وارتضى التغيير من داخل المؤسسات ورفع شعار”التغيير في ظل الاستقرار” .وسيكون المستفيد حينئذ تيار الفساد والردة،والخاسر الأكبر الشعب الذي وضع ثقته الغالية في أبناء العدالة والتنمية وعلق آماله العريضة.وقد أظهرت انتخابات 04شتنبر 2015أن المواطنين الناخبين الصغار أذكى من الناخبين الكبار الذين أرجعوا أشخاصا من النافذة، لفظهم الشعب من الباب.والشاهد على ذلك ما حدث في انتخابات الجهات ومجلس المستشارين.

خلاصة القول،إن قوة الحزب في قوة بيته الداخلي،وفي الحفاظ على مرجعيته ومبادئه، والحرص على الشورى والديمقراطية، وإسداء النصح والبعد عن التنازع، والنظر إلى المناصب لا كغاية بل وسيلة لخدمة المواطنين والوطن،والمداومة على التواصل مع المواطنين ومصارحتهم والصدق معهم والتحلي بالمسؤولية وإشراك المجتمع المدني الجاد والتعاون مع كل الديمقراطيين الخيرين والصادقين لبناء وطن تسوده الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص، دون الالتفات إلى المعارك الهامشية التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى.فتطلعات المواطنين كبيرة والتحديات كثيرة ،وتيار النكوص كَشَّر عن أنيابه في ظل خريف عربي بان للقاصي والداني.لكن الفساد داء دواءه “المعقول”بمصطلح المرحوم عبد الله باها ،والحيطة والحذر والإيمان بالمقاربة التشاركية،والإنصات للأصوات المعارضة الجادة والابتعاد عن الإقصاء في بيتنا الداخلي أولا ،ومع من يخالفونا المرجعية ثانيا- إذا تم الاتفاق على برنامج يحترمه الجميع -،لأنه مناعتنا ضد المتربصين من قوى الردة والفساد وأصحاب المصالح ،وهم أكبر خطر يهدد البلاد والعباد والمؤسسات.والحمد لله رب العالمين.