منوعات

قراءة دستورية لصندوق العالم القروي

وجهة نظر دستورية ..

أثار موقف رئيس الحكومة من وزيره في الفلاحة إشكالا دستوريا يتعلق بدور وصلاحيات كل منهما. وقد جاء ذلك في محاولة من الحكومة لتنزيل سياسة عمومية خصص لها ميزانية تبلغ 55 مليار درهم لصندوق تنمية العالم القروي. وبالرجوع للدستور للفصل 89 نجده ينص على” تعمل الحكومة، تحت تصرف سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين”؛ واعتبارا من هذا النص يتبين أن السلطة التنظيمية ترجع لرئيس الحكومة، وأن التصرف وفقا لذلك من صلاحياته وحده.
وقد عملت الفقرة الأولى من الفصل 90 من الدستور الحالي على مزيد من تبيان هذا الحق الدستوري المخصوص بالنص، على أنه “يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء”. ومعلوم أن التفويض يتم بمقتضى القانون، وهو ما يفرض إخضاعه للمسطرة الكتابية وجوبا والمنصوص عليها بموجب القانون دائما.
وبما أن وزير الفلاحة خرق منطوق الفصل 89 من الدستور، وأنه لا دليل لحد الآن على تمتعه بما تنص عليه الفقرة الأولى من الفصل 90 من دستور 2011م؛ فإن الوزير بمنح نفسه صلاحية الأمر بالصرف، الخاصة بميزانية صندوق التنمية القروية يكون قد خرق الدستور، وبالتالي تعد المادة المتضمنة لهذه الصلاحية في القانون المالي غير دستورية.
ويمكن حل هذا الخرق الدستوري بطريقتين:
الأولى، عبر إعمال صلاحيات البرلمان المنصوص عليها في الفصل 83 الفقرة الأول. أو الطريقة الثانية عبر تدخل المحكمة الدستورية، طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 132. وبناء على الفصلين الأخيرين، يمكن للبرلمان خلال مناقشته للقانون المالي، إعمال صلاحياته التشريعية عن طريق تعديل المادة التي تم بموجبها خرق الدستور والقانون المنظمة لقضية التفويض المقررة في الفصلين، 89 و90 من دستور 2011م.
ولو افترضنا جدلا، أن المادة المعيبة دستوريا، والتي من خلالها خول وزير الفلاحة لنفسه صلاحيات مخصوصة لرئيس الحكومة، لم تعدل لتتوافق والنص الدستوري، في غرفتي البرلمان؛ فإن إمكانية إسقاطها من طرف المحكمة الدستورية جد مؤكدة، لأن الحوار الدستوري بين من جهة الصلاحيات المخولة حصرا لرئيس الحكومة، ومن جهة عدم احترام وزير الفلاحة لشكلية التفويض.
وإذا رجعنا للفصل 132 الفقرة الثالثة، من الدستور الحالي، يتبين أن التصدي لمثل هذه الخروقات الدستورية، تقع على عاتق جهات متعددة. ومنها الملك -رئيس الدولة-، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين؛ أو خمُس أعضاء مجلس النواب، أو أربعون عضوا من أعضاء مجلس المستشارين. فكل هذه الجهات من حقها إحالة المادة موضع النزاع الدستوري على المحكمة الدستورية. وهذه الأخيرة ملزمة بإبداء الرأي داخل أجل شهر، غير أن هذا الآجال يتقلص إلى ثمانية أيام فقط من تاريخ الإحالة، بطلب من الحكومة في حالة الاستعجال.
تبقى الإشارة، أنه في مثل هذه الحالات المعيبة دستوريا، والتي يقع بخلفية سياسية واضحة تبين الصراع الخفي داخل الحكومة؛ فإن الدستور الحالي، وحفاظا على استقرار المؤسسات، وضع بعض المخارج لمثل هذا الصراع الخفي في الفصل 47. حيث منح لرئيس الحكومة صلاحية الطلب من الملك إعفاء عضو، أو أكثر من أعضاء الحكومة.
صحيح أن الدستور لم يمنح لرئيس الحكومة صلاحية إعفاء وزير أو أكثر من حكومته، وهذا عيب في الدستور المغربي، يجعل منه وثيقة في حاجة للتعديل واستدراك هذا العيب؛ إلا أنه يمكن اللجوء “للعرف الدستوري” الذي تشكل من خلال إعفاء وزير الشباب والرياضة السابق، ووزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والوزيرة المنتدبة في التعليم العالي.
فرغم أن الملك تدخل في حالة وزير الشبيبة والرياضة السابق، إلا أن ذلك لم يكن طبقا للفقرة الثانية من الدستور، وإنما سبقه تنسيق بين رئيس الحكومة، والأمين العام للحزب الذي ينتمي إليه الوزير المعني، وبالتالي فإن الوزير من الناحية الدستورية قدم استقالته، قبل إعفائه، وهذا يطرح تساؤلا عن السلوك المعمول في هذه النازلة. هل هو إعمال للفقرة الثانية من الفصل 47، أم أن الأمر يتعلق بالفقرة الرابعة التي تنص على”ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة”.
وبالرجوع لحالة الوزيرين من العدالة والتنمية؛ سمية بنخلدون، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، والحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان …؛ فلم يخرج الأمر كذلك عن نطاق ترتيبات تدخل دستوريا في الفقرة الرابعة من الفصل 47، حيث تم التنسيق بين أمين عام حزب العدالة والتنمية بصفته الحزبية، وبين الوزيرين، قبل أن يعمل عبد الإله ابن كيران بصفته رئيسا للحكومة على رفع طلب إعفاء كل من الحبيب الشوباني، وسمية بنخلدون للملك بناء على استقالتهما.
ويبقى السؤال المطروح اليوم هل يقوم الملك بإعمال الفقرة الثانية من الفصل 47 ويعفي وزير الفلاحة ووزير المالية، أو أحدهما. وهل سيعمل رئيس الحكومة على رفع طلب بهذا الشأن للملك، إعمالا للفقرة الثالثة والرابعة من الفصل 47؛ ذلك ما ستظهره لنا الأيام جميعا.