منوعات

نبيلة منيب و23 مارس

في الربيع الماضي، وبمناسبة مُرور خمسين عاماً على انتفاضة 23 مارس 1965، سيُعيد الصديق الباحث والمناضل عبد الصمد بلكبير، في إطار مجلته الملتقى، تجميع مجموعةً أولى من أعداد جريدة “23مارس”، التي صدرت من باريس (فبراير 1975-أبريل 1980)، كأداةٍ لخدمة المشروع السياسي لواحدةٍ من تعبيرات وفصائل الحركة الماركسية اللينينية المغربية، أو ماعُرف آنذاك باليسار الجديد، ويتعلق الأمر تحديداً بالمنظمة التي حملت نفس الإسم “23مارس”، والتي تأسست في السياقات المغربية و العربية والعالمية، لزمن نهاية الستينيات بكل إنكساراته القومية، وزخمه الشبيبي، ومدّه الأممي.

لايتعلق الأمر في هذا الحيز باستعادة خلاصات ودروس هذه التجربة السياسية أو الإعلامية، المليئة بعنفوان الشبيبة وبأحلام الثورة والوحدة والديمقراطية. بقدر ما يرتبط بسياق وتداعيات الهُجوم الذي إستهدف الأستاذة نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الإشتراكي الموحد، والتي ترأست وفداً عن الأحزاب اليسارية المغربية، قام بزيارة ديبلوماسية لستوكهولم في بداية أكتوبر الجاري، للتباحث مع مسؤولين سياسيين وبرلمانيين وحزبيين ،حول “حقيقة” إعتزام السويد تغيير موقفها من قضية الصحراء المغربية.

لكن، ما العلاقة بين زيارة حديثةٍ لقائدة حزبية يسارية إلى دولةٍ أجنبية دفاعاً عن القضية الوطنية، وبين جريدة مغربية صدرت في “المنفى”، قبل نحو أربعة عقودٍ كاملة؟
المؤكد أن العلاقة وثيقةٌ ومُؤكدةٌ، وإذا كانت تحتاج إلى عنوانٍ يُكثف دلالاتها، فلن يكون بالضرورة سوى الموقف الثابت لليسار المغربي -في غالبية تياراته- من القضية الوطنية.

عندما نعود إلى الجريدة المذكورة، نكاد لا نعثر على عددٍ وحيدٍ لا يتضمن التأكيد على هذا الموقف الوطني من الصحراء المغربية. هذا الموقف لم يكن مجرد إنعكاسٍ لتمثل هذا الفصيل اليساري لمشروعه الوطني والديمقراطي والتقدمي كامتدادٍ طبيعيٍ لحركة التحرر الوطني، وهو الإمتداد الذي جسده عضوياً حضورالمقاوم محمد بنسعيد أيت يدر، إلى جانب الشباب السبعيني في هذه التجربة السياسية، بل إستطاع -ذات الموقف- أن يتحول إلى قراءة تأصيلية و خلاّقة للفكر الماركسي -اللينيني- إستطاعت أن تقف في وجه ما كان يُسمى بالفكر العدمي، المُستند على تأويلات تبسيطية لمقولات المسألة الوطنية وحق تقرير المصير في التراث النظري الاشتراكي.

ولعل هذه القراءة الفكرية والسياسية والتاريخية، كانت حاسمةً في مواقف العديد من القوى اليسارية العربية، خاصة في المشرق .

كثيرون انتقدوا ترأس الأستاذة نبيلة منيب للوفد اليساري المذكور، والواقع أن موقفها ،وموقف تنظيمها السياسي، ليس سوى اسثتمارٌ لتقاليد يسارية مغربية راسخةٍ في الدفاع عن القضية الوطنية .

أنهم بالتأكيد لا يعرفون المسار السياسي و الشخصي لهذه المُناضلة، ولا يدركون أن انتمائها للحزب الاشتراكي الموحد، جاء من بوابة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، والتي ليست سوى الإمتداد السياسي والفكري لمنظمة “23مارس” لحظة الوعي بضرورة مراجعة العمل السري والانخراط في الشرعية السياسية واختيار النضال الديمقراطي وسيلةً للعمل الحزبي في بداية الثمانينيات .

كثيرون منهم لايعرفون أن أول كتابٍ مخصص بالكامل للدفاع عن مغربية الصحراء، تمت صياغته في بداية السبعينيات، لم يكن مؤلفه سوى الأستاذ الرّاحل علي يعتة الأمين العام لحزب التحرر والاشتراكية، الذي يعتبرامتداداً للحزب الشيوعي المغربي.

كثيرون منهم كذلك، لم ينتبهوا لمواقف الحركة الاتحادية من مبدئية الدفاع عن مغربية الصحراء، ليس فقط انطلاقاً من الجهد الديبلوماسي غير المسبوق الذي قاده المجاهد عبد الرحمان يوسفي كوزيرٍ أول في حكومة التناوب، والذي أدى إلى المزيد من عزل أطروحة الإنفصال. ولكن قبل ذلك بكثير، بدءا بالجدلية التي صاغها احد قادتها و رموزها عمر بنجلون، بين القضية الوطنية والقضية الديمقراطية، وهو الذي كتب وترافع وجادل منافحاً عن مغربية الصحراء، وهو المعارض الشرس للنظام الذي فعل ذلك وهو موزعٌ بين السجون و الأحكام بالأعدام ومُحاولات الإغتيال. وصولاً للتعبئة الاسثتنائية للزعيم عبد الرحيم بوعبيد، في المحافل الدولية وعواصم العالم، للترافع حول القضية الوطنية، القضية نفسها التي قادته إلى مُعتقل ميسور في بداية الثمانينات، صحبة رفاقه محمد اليازغي و محمد الحبابي،عندما عبر علانية على رفضه للقبول المغربي لتوصيات مؤتمر نيروبي في علاقة بموضوع الاستفتاء بالأقاليم الجنوبية للمغرب، حيثُ سينحتُ عبارته الشهيرة “ربّي ،السجن أحب لي من أن ألتزم الصمت وألا أقول رأيي في قضيةٍ مصيرية ..”