منتدى العمق

فوكوياما – محمد حسان.. وقصة نهاية العالم

أسهم التنوع الحضاري في تعدد الرؤى التي تناقش مسالة تدبير شؤون الامم والحضارات .هذا التعدد له صلة مباشرة بمرجعية اصحاب هذه الرؤى والذين هم في حقيقة امرهم منظرين لتلك الحضارات ومدافعين عنها في نفس الوقت.بحيث يعمل هؤلاء المفكرون سواء كانوا غربيين او شرقيين على اثبات قيم الثقافات التي ينتمون اليها ونفي قيم باقي الشعوب ” الدونية “او”المعادية”.من هذا الباب ندرج نظرية فوكوياما التي تمجد القوانين الغربية و نسوق في مقابلها نظرية محمد حسان ذات الصبغة الدينية الاسلامية.

اعتبر فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب “نهاية التاريخ و الانسان الاخير”ان النظام الليبرالي الغربي يشكل اخر تطور فكري وصل اليه الانسان في يوم من الايام.وهو أسمى ما قد يصل إليه العقل البشري.لقد طرح فوكوياما فكرته هاته غداة سقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1989 حيث اثبت من خلالها ان انتصار القيم الليبرالية على نظيرتها الشيوعية انذاك كان بمثابة تجسيد لتفوق حضاري من صنع الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الأقطاب الغربية التي تدور في فلكها.بحيث أثبتت قيم الإنسان الغربي استمراريتا في مقابل اندحار الأنظمة السلطوية والشمولية( الفاشية والنازية والاشتراكية) .ومن هنا صار نشر وتصدير الثقافة الليبرالية إلى باقي بقاع المعمور مسؤولية الرجل الغربي الديمقراطي المتحرر و الرأسمالي المتحضر.وتبدأ أول خطوات نشر قيم هذه الحضارة بفتح أسواق باقي الدول من اجل احتضان الشركات الرأسمالية الكبرى في إطار ما يسميه فوكوياما ب”الكوسموبوليتانية”.وفي الوقت ذاته يجب ان تتقبل هذه البلدان (بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وشرق اوربا) مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة و التي تعتبر أسمى ما وصلت اليه البشرية جمعاء .

ان دفاع فوكوياما عن النظم الغربية التي تتزعمها الولايات المتحدة قد تولدت عن قناعته بالتفوق الذي احرزته هذه النظم والتي صارعت طويلا من اجل اثبات صلاحيتها وبدات اول انتصاراتها بتحطيم سلطة كهنة”الخرافات الدينية” واستبدالها بالسلطة الوضعية.ولا ينكر هذا المفكر الامريكي ذو الاصول اليابانية ان حضارة الغرب المتقدم قد تتعرض للانتكاسات وبالتالي تدفعها الظروف القاهرة الى استعمال العنف سواء لردع خطر خارجي ( الحرب العالمية الاولى والثانية) او من اجل تهدئة الاوضاع الداخلية الناتجة عن صراع التيارات الفكرية التي تمثلها الاحزاب والجمعيات غير الحكومية.لكنه يبرهن على ان هذا النظام اثبت استمراريته لان سلطته مستمدة من الشعب(الديمقراطية).

في الجهة المقابلة يصور لنا الداعية الاسلامي محمد حسان من خلال كتابه “احداث النهاية و نهاية العالم” الطريقة التي سينتهي به العالم .حيث ستزول الراسمالية وكل ما يلتصق بالمنظومة الغربية و سينحصر الكون في اطار علاقة مسلم-كافر كتاكيد على انتصار الحضارة الإسلامية مستقبلا و قيادتها لباقي الشعوب سواء كانت موحدة او مشركة.وسيحقق المسلمون نصرهم النهائي لان الزمن خاضع لسنن كونية تنتج عنها الدورة الحضارية.

يقر محمد حسان بان الامة تمر من “مرحلة الضعف والهوان” وهي حقبة متزامنة مع ظهور علامات الساعة الصغرى حيث سيعم الفساد ويكثر الهرج والمرج وتفسد الاخلاق ويظهر الرويبضة-الرجل السفيه الذي يتكلم في امر العامة.وهي مظاهر كافية لإبراز تخلف المسلمين عن ركب الحضارة في العصر الراهن ف”بهذه الاخلاق لا يمكن ان ننتصر ” كما يردد الداعية المصري.لان اهمال الامة لدستورها الاعظم “القران والسنة” سبب كافي لجعلها تابعة لامم الشرق والغرب.

لا يخفي هذا الداعية اعجابه بالتقدم الذي وصل اليه الغرب لكنه مجرد “تقدم في ثوبه المادي”.وهو يرفض التدخل الغربي المستمر في شؤون العالم الاسلامي لانه تدخل عنصري صليبي يحمل خطابا مزيفا و”يدق ابواب المسلمين حاملا الديمقراطية والحرية في يد و السلاح في اليد الاخرى”.لدى اصبح لزاما على الامة ان تعود الى مكانتها الطبيعية بحيث يرى الشيخ الاسلامي ان”الاسلام سينتصر ولن تقوم الساعة حتى يعود المسلمون الى ما كانوا عليه في سالف الايام” ” ويرفع الله الحق ويمحق الباطل” .
الى اي حد يمكن تقييم هايتين النظريتتين

لا احد اليوم ينكر الابداعات التي ابتكرها النظام الليبرالي والذي استطاع ان يجد له قبولا كبيرا في مختلف انحاء العالم في ظل العولمة.ان هذه القيم هي نفسها التي وقفت وراء تحرير مجموعة من الشعوب بدءا بالثورة الامريكية والفرنسية.ودعت الى الحرية في الاقتصاد برفع شعار “دعه يعمل دعه يمر ” بحسب ادم سميث وناضلت لفترة زمنية طويلة من اجل تحرير الإنسان من القيم اللاهوتية والعرفية.لكن طابع الرفعة والسمو الذي اضحى اليوم لصيقا بالانسان الغربي الليبرالي لايخلو من الشبهات ف”الليبرالية رديفة الامبريالية” كما يقول فلاديمير لينين وهي داعية الى “راسمالية مصلحية متوحشة ” تخدم الرجل الأبيض بحسب نعوم تشومسكي.وفي قلب هذا النظام ظهرت “نواة السرطان الخبيث التي يقودها اليمين العنصري المتطرف” كما يشير الى ذلك جيريمي سكاهيل.و اباد هؤلاء “المتحضرون” مجموعة من الاعراق وحرب الفتنام خير شاهد على ذلك .وفي الغرب بذاته يرفض جل انصار “الدوغولية بفرنسا”( نسبة الى التيار الاجتماعي الذي دعا اليه شارل دوغول) قيم ثقافة العولمة المستوردة من بلاد العم سام.

على الطرف الاخر فان دفاع محمد حسان ان الامة واعتباره ان الدورة القادمة ستكون في صالحها يبدو امرا طبيعيا اذا اخذ المسلمون باسباب العطاء و التقدم سيما وانهم اعطوا للانسانية الكثير وأنتجوا علوما غزيرة و فتحوا بلدان عديدة وارسوا فيها قيما جديدة .و رغم ذلك يحتاج المسلمون في وقتنا هذا الى نهضة حقيقية غير تلك اليقظة التي دعا اليها الطهطاوي و الافغاني و محمد عبده وباءت بالفشل نتيجة غياب ارادة الامة في التغيير .فالضرورة السياسية والاقتصادية الحالية تلزم على المسلمين “تجديد الفقه الاسلامي السياسي” من منظور خالد الفهداوي.اذ لايكفي ان تقود هذه النهضة عناصر اجتماعية وسياسية محددة. اكثر من ذلك فان هذه النهضة يجب ان ترتكز على المقومات المحلية بعيدا عن التاثيرات اليهودية والمسيحية وعن التبعية للثقافة الفرنكفونية بحسب المهدي المنجرة .و بلغة محمد الخطيبي لا يمكن ان يتحقق التقدم الا بمحاربة الاستلاب الثقافي في حين يؤكد طارق رمضان على انه من واجب الدعاة الاسلامين النظر في تفسير النصوص الاسلامية وفق متطلبات العصر فالمسلم مثلا يمكن ان يتبنى جهاد الفكر والكلمة بدلا من القتال والذي رسمه في صورة المحارب غير المصلح . بحيث تحتاج الامة الى ربيع جديد غير الربيع العربي الذي ادئ الى شتات جديد والمسلمون في غنى عنه .

تبقى قصة النهاية اذن امر غير محسوم فيه قد ينتهي العالم بانتصار الغرب او بانتصار المسلمين وربما سنشهد قصة اخرى غير التي قصصناها للتو.