منتدى العمق

“اتقوا الله في وطنكم ومواطنيكم”

يعرف المغرب منذ شهور ما أصبح يصطلح عليه سياسيا “بالبلوكاج السياسي أو الحكومي” وذلك نتيجة لعدة أسباب تناولتها عدة صحف ورقية واليكترونية، الظاهر منها على الأقل يتجلى في تعنت الأحزاب السياسية وتشبثها بمواقفها من تشكيل الحكومة، هذه الأخيرة التي من المفترض أن تكون مشكلة الآن وتقوم بوظيفتها الموكلة لها لو وجدت أحزاب تحترم إرادة المواطنين وتضع خدمتهم في قمة أولوياتها.

فللأسف الأحزاب الموجودة الآن على الساحة السياسية تنقسم إلى نوعين لا ثالث لهما،النوع الأول يتجلى في الأحزاب الوطنية والمحافظة كحزب الاستقلال والإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالإضافة إلى كل من التقدم والاشتراكية وحزب العدالة والتنمية،الأحزاب الثلاثة الأولى تم “تقزيمها” وترويضها وإفراغها من دورها الوطني الذي كانت تقوم به عبر عقود في الساحة السياسية الوطنية وذلك من خلال تهميش القيادات الفذة ذات المواقف السياسية القوية كالمرحوم الزايدي على سبيل المثال لا الحصر، والكل يتذكر كيف مرت الانتخابات الداخلية لحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبة والتي أوصلت الرئيس الحالي إلى رئاسة هذا الحزب العتيد سابقا،وكذلك الشأن بالنسبة لحزب الاستقلال الذي أصبح تحت رحمة شخص حوله إلى دكان سياسي بعد أن كان حزبا مقتدرا يحسب له ألف حساب في المعادلة السياسية المغربية، أما الحزب الرابع أي حزب العدالة والتنمية فهو اللاعب الوحيد في المعترك السياسي المغربي الذي حافظ على شيء من استقلاليته رغم ما يعاب عليه أحيانا من السخاء اللامحدود في تقديم التنازلات السياسية.

والنوع الثاني من الأحزاب المتبقية فهي تنقسم بدورها إلى صنفين،الصنف الأول يتمثل في الأحزاب الإدارية المصطنعة من طرف مؤسسة المخزن أو من طرف شخصيات تدور في فلك هذه الأخيرة،والصنف الثاني يتمثل في أحزاب صغيرة لا دور لها ولا يسمع لها صوت أسستها شخصيات ترغب فقط في الشهرة وأن تخلق لنفسها نوعا من “البريستيج” السياسي لا أقل ولا أكثر .

كل هذه الأحزاب المشكلة للمشهد السياسي المغربي والمتباعدة فيما بينها ايدولوجيا وسياسيا وحتى خطابيا لا يمكن إلا أن تكون سببا مقنعا في حصول ما يسمى “بالبلوكاج السياسي” ولو ظاهريا كما قلنا في البداية، أما الخفي من الأسباب فالرائج في الصحافة الوطنية ووسائل التواصل الاجتماعي هو الرغبة في تحجيم دور العدالة والتنمية داخل الحكومة من طرف أصحاب السلطة الحقيقيين الذين اسندوا إلى حزب التجمع الوطن للأحرار وخاصة رئيسه الجديد القيام بهذه المهمة بعد فشل حزب “البام” ورئيسه في ذلك، وهذا الأمر يمكن إدخاله في الجانب السياسي،أما من الناحية الإدارية فكما لا يخفى على الجميع،فوزارة الداخلية ومنذ عقود من الزمن وليس فقط في عهد الوزير الحالي كانت تعتبر ولا زالت هي المحرك الرئيسي للحكومة إن لم نقل بأنها هي الحكومة نفسها والتي من خلال ممارساتها أرجعتنا إلى عهد نسجت حوله روايات أشبه بالحكايات والأساطير.

لكن هذه الأمور كلها لا تهم المواطن البسيط في شيء،فما يهم هذا الأخير هو أن تبقى أسعار السلع الأساسية في متناول جيبه المثقوب،باعتبار أن الأمية والجهل يسيطران على قطاع واسع من هذا الشعب، فاتقوا الله فيه يا أصحاب البطون والدكاكين السياسية حتى لا يأتي عليكم يوم تتمنون فيه تقبيل أرجل هذا المواطن كي يغفر لكم ظلما كنتم قد ألحقتموه به يوما سواء عن إدراك أو عن غير إدراك.

وفي آخر هذا المقال المتواضع لا يمكننا إلا أن نطرح هذا السؤال ذا الحمولة التشاؤمية، إلى متى سيستمر هذا “البلوكاج السياسي” ؟
خاصة أن له تكلفة اقتصادية وسياسية وسيلحق ضررا بصورة المغرب وسمعته لدى الدول الأخرى وكذا في المحافل والمنظمات الدولية ولا يجب أن ننسى كذلك أن المغرب قد عاد إلى بيته المؤسساتي المتمثل في الإتحاد الإفريقي بعد المجهودات العظيمة التي قام بها جلالة الملك،وبالتالي ينبغي علينا أن نكون قدوة لدول هذا الإتحاد في الممارسة الديمقراطية وفي احترام المواطنين لا أن نكون العكس.
فاتقوا الله في وطنكم ومواطنيكم يا أولي السياسة .