منتدى العمق

الديمقراطية المغربية في الميزان وزيفها في الميدان

يتحرج كثير من الفضلاء الغوص في بحر الديمقراطية، وخصوصا إذا تعلق الأمر بالحديث عنها في الدول العربية المتخلفة، إذ يعد الحديث عنها في ضوء تجويع الناس وقتل الناس وتحقير الناس وتهميش الناس ضرب من الهذيان، وهي التي ما فتئ الفضلاء يرددون بأنها تحمي كرامة الناس وحقوقهم، وتخول لهم حرية التعبير وتعلم الحوار وتحث على ضرورته، وتقبل الآراء المختلفة وتعالجها وتبحث عن الحلول بغية تقريب وجهات النظر المتباينة والمتباعدة.

الديمقراطية مفهوم شاسع يصعب حصر مواضيعها فهي ليست فقط “حكم الشعب نفسه بنفسه” أو “آلية لحل الصراع بين الناس” وقد ذهب “جورج طرابيشي” أن “كبرى مشكلات العالم العربي أننا اختصرنا الديمقراطية في أحد مظاهرها وهو صندوق الاقتراع” وفي هذه الأسطر نروم تفنيد زعم من يقول إن المغرب يسبح في بحر الديمقراطية، وأنه عرف نقلة نوعية لم يُسبق إليها بناءً على معطيات من الواقع وفي فترة زمنية محدودة؛ لنوضح للقارئ زيف مدعيها من وجهة نظر معينة كما يقول عالم اللسانياتالسويسري”فيردناند دوسوسير” “وجهة النظر هي التي تخلق الموضوع”؛ معنى هذا الكلام أننا سندحض زعم مسؤولينا في خطاباتهم التاريخية دون ربط المفهوم بديننا الحنيف لنؤكد أن هذاالزعم فاسد وباطل بكل المقاييس والمعايير: معيار الواقع، ومعيار ديننا.

أكد حسن شحاتة في كتابه “مداخل إلى تعليم المستقبل في الوطن العربي” على أن التعليم هو القنطرة التي نعبر من خلالها إلى الديمقراطية إذ “لا تحديث ولا تنمية ولا ديمقراطية دون تعليم متطور” فهو السبيل الموحد والوحيد والأوحد إلى التحديث والتنمية والديمقراطية، عقلا إذا غاب الشرط–التعليم-فلا مجال للحديث عن الموضوع-الديمقراطية-.

عاش التعليم بالمغرب ويعيش أزمة في التحصيل وسيعيشها إذا استمر هذا التهاون السياسي الذي ليس له حسيب ولا رقيب سوى العبث واللهو بمستقبل المغاربة، حيث إن كل الأرقام تؤكد تدهور المنظومة التعليمية، فإذا كان الاعتراف سيد الأدلة فإن المجلس الأعلى للتربية والتكوين أكد على لسان “عمر عزيمان” أن نسبة تحصيل التلاميذ للغة العربية والفرنسية متدنية جدا، لم يجرؤ الخوض في الاكتظاظ الذي تعيشه المؤسسات التعليمية وكذا الخصاص المهول للأساتذة، اللذين يعدان سببا رئيسا في التدني ولم يقدم حلولا لهذه المعضلة التربوية. إضافة إلى ذلك تؤكد التقارير الدولية والوطنية والدراسات التربوية الحديثة الأزمة التي تتخبط فيها المنظومة التعليمية، فتقرير البنك الدولي الذي قام بتصنيف المغرب في الرتبة الحادية عشرةمن أصل أربع عشرة دولة حسب معيارالملاءمة والفعالية والمردودية لنظام التربية والتكوين. أما تقرير اليونيسكو يؤكد على أن الكيان الصهيوني ينفق 4.7% من الناتج الوطني الإجمالي أي مجموع ما تنفقه الدول العربية منها المغرب الذي يخصص أغلب ميزانيته لوزارة الداخلية، كما وضع المغرب ضمن أسوأ إحدى وعشرين دولة في مجال التعليم.

يضيف الكاتب “حسن شحاتة” وجوب التعلم مدى الحياة وعدم الاقتصار على مرحلة دون مرحلة أخرى، الذي لا تجد له أثرا في بلدنا؛ بل الأدهى والأمر أن الدولة تمنع وتحارب من يريد أن يستمر في دراسته، إذ منعت إتمام الدراسة بالنسبة للموظفين، كما زحفت على الترقي بالشهادة، وما هذه إلا عراقيل مصطنعة فقط من أجل الحد من التعليم والقراءة التي يحث عليها قرآننا ۞اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ۞. وبهذا الفرش نستنتج أن الشروط اللازمة للحديث عن الديمقراطية مفقودة، إذ يعاني المغاربة بشكل مهول من الأمية لدرجة أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين عصر السرعة والنهضة العلمية والفكرية، وما زالت نسبة الأمية في المغرب تتجاوز 70%؛ بمعنى أنه لا توجد إرادة سياسية بغية تجاوز هذه المعضلة، وقد أُرِيد لهذا الشعب ذلك؛ لأن وعيه يستتبع بالضرورة المطالبة بالحقوق التي تضمنها الديمقراطية، فإذا كان الشرط غير موجود للقيام بالموجود فإن الغاية التي هي الديمقراطية لاوجود لها بالضرورة عقلا ومنطقا.

في بلد ديمقراطي فقط كالمغرب يُغتال السياسي الذي يأبى أن يأخذ دوره في المسرحية الممثلة على الشعب المغربي المقهور، وليس بعيدا حلَّق في الأفق خبر محاولة اغتيال الفنان المغربي “رشيد غلام” لأنه أبى أن يخنع ويخضع للفساد والاستبداد، وهذا مظهر من مظاهر الديمقراطية المغربية، ولكي يتضح المسار الديمقراطي أكثر نستحضر ملف الأساتذة المتدربين الذي طغى على الساحة السياسة زهاء سنتين. سنتان من الظلم والحيف مورسا على هذا الفوج الذي طالب بإسقاط مرسومين مشؤومين لا يعنيانه قانونا ولا أخلاقا، فعوض أن تقدم الدولة حلا لطي هذا الملف لجأت إلى أساليبها الديمقراطية المعروفة، أسلوب التهميش والتشريد والقمع بمختلف ألوانه،فقد عاش الأساتذة المتدربون ليالي سوداء زادت في رباطة جأشهم،ففي مدينة إنزكان عاش أساتذة الغد يوما دموياوصف بالخميس الأسود وذلك يوم 7 يناير2016م. فعرف هذا اليوم تدخل أجهزة الأمن،فأسفر عن عدة إصابات وسط الأساتذة المتدربين كل هذا يقع في هذا البلد ويخرج رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ليقول ” لا خبر له بهذه المجزرة الدموية”. ولكي يستمر المسلسل الديمقراطي المغربي لجأت الدولة إلى ترسيب أساتذة نجحوا في الامتحانات الكتابية والشفهية بشهادة المفتشين، هؤلاء الأساتذة الذين حجُّوا إلى الرباط بغية المطالبة بالاطلاع على محاضر الاختبار الشفهي يوم الجمعة 03مارس 2017م أمام المركز الوطني للتقويم والامتحانات، قُوبِل طلبهم بالرفض وتدخل قوى القمع لفض شكلهم الاحتجاجي هذا التدخل أدى إلى قتل جنين الأستاذة المتدربة “صفاء الزوين”، وبهذا تكون الدولة المغربية قد حرمت الأستاذة صفاء من حقين: حق الوظيفة، وحق الأمومة. وصمة عار تنضاف إلى جبين المخزن المقيت بعد قتل شهيد الحسيمة “محسن فكري”. وهكذا يستمر المسلسل الديمقراطي المغربي بإعفاءات لأطر مغربية بسبب انتماءاتهم السياسية دون تطبيق المساطر القانونية التي تنص عليها الوثائق الرسمية.
مما سبق يمكن القول إن الديمقراطية المغربية هي قتل جنين الأستاذة المتدربة “صفاء الزوين”، وإعفاءات فوضوية بالجملة، قتل بائع الحوت شهيد الحسيمة “محسن فكري”، قتل السياسي(باها، الزايدي، مرداس…)، محاولة اغتيال الفنان رشيدغلام…………………………………………………………………………………..
………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………
قال الإمام علي كرم الله وجهه:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ۞۞ فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم
تنام عينك والـمـظـلوم منتبه ۞۞ يدعـو عليك وعيــن الله لم تنم

تعليقات الزوار

  • علينا كاملين
    منذ 7 سنوات

    فصل آخر من فصول الديموقراطية يفصل فيه الكاتب بوضوح زادك الله علما وحكمة