مجتمع

حكم قضائي مخفف ضد مغتصب قاصر يثير استياء عائلة وحقوقيين بالرباط

قضت محكمة الاستئناف بالرباط، الأربعاء الماضي، بالحكم على مغتصب فتاة قاصر بسنتين سجنا، موقوفة التنفيذ، وهو الحكم الذي اعتبرته عائلة المغتصبة “مخففا وغريبا”، معتبر أنه “حكم بالبراءة للمغتصب من الناحية الواقعية”، مشيرة أنها ستقوم بالطعن فيه أمام محكمة النقض.

وتعود تفاصيل القضية، حسب ما أوردته والدة المغتصبة في تصريح لجريدة “العمق”، إلى سنة 2010، حيث أقدم شخص يدعى (ف،ع)، على التغرير بابنتها القاصر (ه،ر)، التي كانت تبلغ آنذاك 17 سنة، وقام باغتصابها وافتضاض بكرتها ونجم عنه حمل، حيث أن الطفل الآن يبلغ من العمر 7 سنوات بدون أوراق ثبوتية تمكنه من التمدرس.

وأضافت الأم “فاطم الزهراء ب”، أن المحكمة الابتدائية بالرباط، أصدرت حكمها سنة 2013 بسنتين سجنا نافذا في حق الجاني، الذي رفض الحكم وقام بالاستئناف، مضيفة أن “عائلة الجاني ميسورة الحال ولها نفوذ وصرفت مبالغ مالية كبيرة حتى لا يتم إدانة ابنها بالسجن”.

وأردفت المتحدثة ذاتها، أن الجاني الذي يبلغ من العمر الآن 36 سنة، اعترف طيلة جلسات المحاكمة بواقعة الاغتصاب واعترف كذلك بابنه، مضيفة أنه في كل جلسة كان يأتي برواية مختلفة عن سابقتها.

واتهمت فاطم الزهراء، والتي تترأس جمعية للدفاع عن المغتصبات، كلا من الشرطة والقضاة بالوقوف في صف عائلة المغتصب حتى لا يتم سجن ابنها، مضيفة أن محامي ابنتها انضم هو الآخر لصفهم، مؤكدة في السياق ذاته، أن لديها من الوثائق ما يؤكد ذلك.

وأشارت إلى أن المحكمة استندت في إصدار الحكم على مغتصب ابنتها، بأنها أم غير صالحة، حيث أنها لم تحضر لإحدى الجلسات لكونها كانت في مهمة إلى الإمارات كونها رئيسة جمعية مكلفة بملف يخص بعض الفتيات اللواتي يقضين عقوبات حبسية بسجون الإمارات، مضيفة أن زيارتها لهذه الأخيرة نوقشت أثناء جلسة النطق بالحكم.

وأكدت المتحدثة، أن الجلسة ما قبل الأخيرة للنطق بالحكم، توقفت لأن أحد القضاة كان في حالة سكر طافح، معلقة على ذلك بقولها: “كيف لقاض مكلف بملفات خطرة مثل الاغتصاب أن يصدر الأحكام وهو في حالة سكر؟”.

وأوضحت فاطم الزهراء، ب، أن ابنتها تعاني الآن من مرض الصرع ومن أمراض نفسية خطيرة، منذ تعرضها للاغتصاب، وأن والدها قام بنقلها إلى مدينة أكادير لتتابع علاجها هناك.

ومن جانبه، قال المركز المغربي لحقوق الإنسان، في بلاغ له، إنه توصل بطلب مؤازرة، من طرف والدة المجني عليها، خلال مرحلة البث الاستئنافي، وأن المركز نصب محاميا متطوعا في الملف.

وذكر المركز المغربي لحقوق الإنسان، أنه “خلال أطوار جلسات المحاكمة، أكد ممثل النيابة العامة أن واقعة اغتصاب الفتاة القاصر ”حينها” وافتضاض بكارتها، والذي نجم عنه ولد، جريمة ثابتة في حق الجاني (ف.ع)، مكتملة الأركان، ويجب إنزال أقصى العقوبة على الجاني”.

وأكد المركز المذكور، أن “المحامي الحقوقي، أثناء مرافعته الأخيرة، عرض البعد الحقوقي للجريمة، واستحضر المواثيق الدولية، وخصوصا اتفاقية الطفل، ومناهضة التمييز ضد المرأة، وناشد المحكمة على ضرورة مراعاة قواعد المحاكمة العادلة، لصون حقوق المجني عليها والطفل”.

وتابع، أنه “وعلى ضوء الهواجس التي انتابتنا، بعد الاستماع للمشتكية، من كون الأمر تكتنفه شكوك جدية، ستفضي لا محالة إلى الدوس على قواعد المحاكمة العادلة، لذلك، كانت رغبتنا تتجه نحو إيجاد مخرج يصون المصلحة الفضلى للطفل، وكذا مصلحة المجني عليها، عن طريق توافق من شأنه توثيق بنوة الجاني لإبنه، ومساعدة المجني عليها ماديا لأجل الاستشفاء من مرض الصرع، وأمراض أخرى عصبية ونفسية مزمنة، لزمتها بسبب تعرضها لجريمة الاغتصاب لحد اليوم”.

وأكد بلاغ الهيئة الحقوقية، أن “رئيس الجلسة في الاستئناف يطالب دفاع المجني عليها بالاقتصار على تقديم المطالب المدنية، والتهكم باد على محياه من استحضار مراجع حقوق الإنسان، وكأن عدالتنا لا تؤمن بحقوق الإنسان، ولا تعيرها أي اهتمام، مطالبا إياه بتقديم مطالبه المدنية، وكفى، وبأنه غير معني بما التزم به المغرب أمام المنتظم الدولي”.

وأضاف البلاغ الذي تتوفر جريدة العمق” على نسخة منه، أن نتيجة كل ذلك هو “الحكم على الجاني بتلك السنتين التي حكم عليه بهما سلفا بصيغة النفاذ، ليجعلها موقوفة التنفيذ، يعني عمليا: البراءة من جريمة تغرير واغتصاب، مكتملة الأركان”.

وفي قراءته للحكم الاستئنافي، قال المركز المغربي لحقوق الإنسان، إنه “يمكن أن تغتصب، يمكن أن ينجم عن الاغتصاب ولد، يمكن أن تدفع فتاة إلى التشرد، يمكن أن ترمي بها في أتون الدعارة، أو حتى تقتل في روحها معنى الإنسانية، ورغم كل ذلك يمكن أن تحصل على أخف حكم، لم يتجرأ عتاة الفساد في تاريخ القضاء القيام به، والقانون والمسطرة، كفيلان لتقديم الحجج والمستندات، والتأويل، المفضية كلها إلى تبرئة الجاني”.