منتدى العمق

جريمة قتل جنين الأستاذة المتدربة صفاء الزوين: السياق والمساق

تخبرنا كتب الأدب أن الشاعر الفيلسوف الأعمى “أبا العلاء المعري” خرج يوما فرأى شابين كرديين يتخاصمان، فاستمع لمرائهما وهو لا يفهم اللغة الكردية ولا يعيها، فحفظ حوارهما لقوة ذاكرته، فكان شاهدا عند الحاكم لما احتكم هذان الكرديان له، فأحضر الحاكم أبا العلاء وسأله عنهما، فقال له أبو العلاء: لم أفهم ما قالاه ولكن سأعيد عليك حوارهما، فحكم الحاكم انطلاقا من كلامه.
إذا كان أبو العلاء المعري أعمى ولم ير شيئا،وشهدشهادة حق، فما بالك بمن عاش جريمة قتل جنين الأستاذة المتدربة “صفاء الزوين”.
في هذه الأسطر نسرد تفاصيل قضية طغت على الساحة السياسية مؤخرا وهي قضية الأساتذة المتدربين، لنصل إلى الجريمة التي ارتكبتها الدولة في حق الإنسانية وحق الأمومة.
أصدرت وزارة التربية الوطنية مرسومين وصفهما الأساتذة المتدربون بالمشؤومين،يقضي هذان المرسومان بفصل التوظيف عن التكوين 2.15.588، وتقليص المنحة2.15.589 من 2450 درهم إلى 1200 درهم، فَعَدَّ الأساتذة المتدربون المرسومين إجحافا في حقهم وحق الشعب المغربي في مجانية التعليم، إذ من شأن المرسوم الذي صدر بتاريخ 10 أكتوبر 2015 القاضي بفصل التوظيف عن التكوين والذي بموجبه سيتم تكوين أفواج من الأساتذة في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وذلك بعد الانتقاء الأولي واجتياز اختباري الكتابي والشفهي، ثم سنة تكوينية كاملة للحصول على شهادة التأهيل التربوي، كل هذا سيخول لك اجتياز مباراة التوظيف ليتم من خلال هذه المباراة الاستغناء عن عدد لا يستهان به(3000) من الأساتذة؛ ليستفيد منهم القطاع الخاص. وهنا نلحظ بالضرورة توجه الدولة إلى خصخصة التعليم، ويؤكد ذلك قول رئيس الحكومة السابق “بنكيران” في تصريح له: “حان الوقت أن ترفع الدولة يديها عن التعليم والصحة.”

رفض الأساتذة المتدربون المرسومين لما سبق من الأسباب، وكذا بموجب القانون حيث أكد عصبة من الخبراء والمختصين أن الذي وضع المرسومين جاهل بالقانون، وهو ما أكده أستاذ العلوم السياسية “عبد الرحيم منار السليمي” بجامعة محمد الخامس بالرباط لفظا ومعنى في لقاء له مع الصحفي “يوسف بلهايسي”، وأن الفوج الحالي على الأقل غير ملزم بتطبيق المرسومين عليه، ففي موقع فيسبوك نشر الباحث المغربي “عبد الرحيم العلام” على صفحته الشخصية: “إن الأساتذة المتدربين في الموسم الحالي وَلَجُوا مراكز التكوين وفق القانون القديم قبل أن يصدر المرسومان في الجريدة الرسمية”.
لم يكتف الأساتذة بتوضيح الخلل القانوني فقط؛ بل خرجوا إلى الشارع لأن دولة متخلفة وغير ديمقراطية كالمغرب لا تؤمن بالقانون وخير دليل على ذلك محضر 20 يوليوز2011م، وكذا القمع والتشريد والتهميش الذي طال الأساتذة المتدربين، كأحداث إنزكان وكذا اعتصام القنيطرة يومي 7يناير2016 و 14 مارس2016.
بعد كل الأشكال النضالية التي خاضها الأساتذة المتدربون توصلوا إلى اتفاق مع الحكومة في شخص عبد الوافي لفتيت والي جهة الرباط سلا القنيطرة مع حضور ممثلي النقاباتالتعليمة الست وأعضاء المبادرة المدنية، يقضي بعودة الأساتذة المتدربين إلى استئناف التكوين شريطة توظيف الفوج كاملا.

اِلتزم الأساتذة المتدربون بمخرجات الحوار واشتغلوا من داخل الأقسام مدة أربعة أشهر دون مقابل، ظنا منهم أنهم يتعاملون مع دولة ديمقراطية تحترم عهودها، فَخَيَّبت ظنهم بترسيب أساتذة أكفاء بعد المباراة الشكلية، حيث شهد المفتشون أنهم اجتازوا المباراة بنجاح، أغلبهم كان متزعما ومخططا للمعركة النضالية، ليجدوا أنفسهم في الشوارع مجهولي المصير، فأرادوا دفع تظلم للوزارة بطريقة قانونية،فحجُّوا إلى الرباط بغية المطالبة بالاطلاع على محاضر الاختبار الشفهي يوم الجمعة 03مارس 2017م أمام المركز الوطني للتقويم والامتحانات، قُوبِل طلبهم بالرفض وتدخل قوى القمع لفض شكلهم الاحتجاجي، هذا التدخل أدى إلى قتل جنين الأستاذة المتدربة “صفاء الزوين” بطريقة وحشية غير إنسانية، وفي بلد يدعي مسؤولوه أنها تحترم كرامة الناس وحقوقهم.

نقف مشدوهين أمام هذا الواقع العسير المرير لنسائل القارئ لو كان عمر رضي الله عنه ووقعت هذه الفظيعة الإنسانية والأخلاقية ما الذي كان ليفعله ليعيد للأم مظلوميتها. لو وقعت هذه الجريمة في دولة غير إسلامية لأقاموا الدنيا وأقعدوها واستعانوا بالإنس والجن لحماية الحقوق ورد المظالم، هذه كتبُ التاريخ تخبرنا عن قصة الاستغاثة:”وامعتصماه”، “وا حجاجاه”فتكون الاستجابة دون تفكير لنصرة المظلومين. قال الله تعالى۞وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون۞.