منوعات

بنكيران لا ينتهي!

منذ الإعفاء الملكي للأستاذ عبد الإله بن كيران من التكليف بتشكيل الحكومة الجديدة، تكاثرت التخمينات والتساؤلات: هل انتهى بنكيران؟ هل انتهى عهد بنكيران، هل انتهت مرحلة بنكيران؟

وبعض المحللين الجسورين لم يقفوا عند حد التساؤل والتخمين وطرح الاحتمالات والتمنيات، بل جزموا بأن بنكيران قد انتهى، وبعضهم رأى أنه قد أحيل على التقاعد السياسي، وأنه قد ألقى خطبة الوداع …

لقد اعتاد هؤلاء المحللون والمتكهنون، على أن بعض كبار السياسيين – من مغاربة وعرب وفرنسيين… – حين يُزاحون من المنصب الشريف الرفيع، ويبقَون بدون جاهٍ ولا سلطة ولا هيبة، ينكمشون ويختفون، ويبتعدون عن الساحة السياسية وأضوائها ومتاعبها، وربما يتركون أحزابهم وما عُرف من أنشطتهم، وربما يغادرون أوطانهم أيضا…

فيبدو لي أن هؤلاء السادة المحللين، يقيسون حالة بنكيران على تلك الحالات المعهودة والماثلة في أذهانهم، ثم يستنتجون ويتوقعون… أقول لهؤلاء السادة: لا قياس مع الفارق. وكلكم تعرفون الفارق، بل الفوارق الكثيرة…

عبد الإله بن كيران أدخل إلى الميدان السياسي والحزبي والحكومي، عنصرا جديدا أزعج السياسيين الكلاسيكيين وأحرجهم، وهو عنصر الصدق والصراحة والوضوح. ولقد كان هذا العنصر من أسباب النجاح الشعبي لبنكيران، وكان أيضا من أسباب “فشله” الرسمي.

لقد اعتدنا أن السياسيين من أصحاب المناصب العليا إذا تكلموا، فلا بد لهم أن يغلِّـفوا كلامهم بكثير من الالتواء والنفاق، والتزويق والتزييف، أو أن يقولوا – في أحسن الحالات – كلاما لا معنى له ولا طعم له…

واعتدنا – بالمقابل – أن السياسيين المعارضين والمناهضين، إذا تكلموا، فلا بد لهم من تحلية خُطبهم وبياناتهم وتصريحاتهم بالمبالغة والمزايدة والتهويل وقلب الأمور.

لكن ابن كيران جاءهم وفاجأهم بأسلوب جديد بسيط، يعتمد الصدق والصراحة والوضوح، حتى إنك لا تدري – حين يتكلم – هل هو رئيس الحكومة أو هو أكبر معارض للحكومة؟! فهو يتكلم بصدق وصراحة، ويعمل بصدق ونزاهة. وفي جميع الأحوال لا يدلس ولا يُلَبس على أحد. فلذلك نجح فيما نجح فيه، وفُـشِّـل فيما لم يفشل فيه.

وعبد الإله بن كيران في أصله وحقيقته ليس سياسيا “عتيقا”؛ فهو لم يتخرج من مدرسة الساسة والسياسة، ولم تصنعه الحكومة ولا رئاسة الحكومة، ولم يلده حزبُ العدالة والتنمية، ولا رئاستُه وقيادته له.

ابن كيران هو أولا وأخيرا صاحب دعوة، ومن أبناء الدعوة، ولد فيها، وترعرع في مساجدها ومنابرها، وفي جلساتها ومنصاتها، وتشبع بهمومها وتطلعاتها، وتقلب في جنباتها وجبهاتها، وبعد ذلك ومن خلاله، جاءت السياسة والحزب والحكومة… فابن كيران داعية إسلامي، وداعية إصلاحي.

كذلك كان في البدء، وكذلك سيبقى في الختام. كذلك كان قبل الحزب والحكومة، وكذلك سيبقى ولو لم يبق حزب ولا حكومة. فلذلك لن ينتهي.

من الأفكار الجيدة للملك الراحل الحسن الثاني، يحضرني قولُه ذات يوم: “العلماء لا يتقاعدون”. وللأسف، فهذه القولة الممتازة فسرها المعنيون بها تفسيرا نقابيا ضيقا، فمُددت بها رواتبهم وتعويضاتهم إلى الموت، وإلى ما بعد الموت…

أما معناها الحقيقي النبيل، فهو أن العلماء أصحابُ دعوة وأصحاب رسالة، يتفانون فيها ويبقون عليها مدى حياتهم، ولا يعرفون شيئا اسمه التقاعد، ولا شيئا اسمه التقاعس. وهكذا الدعاة وحـمَـلة الرسالات وأصحاب المبادئ…

وأحسب أن عبد الإلــه بن كيران واحد منهم، بل من أعيانهم، ولذلك فهو لا يتقاعد، ولا ينتهي.

تعليقات الزوار

  • هموم
    منذ 7 سنوات

    عندما يثني القسيس على صاحب السلطة فاعلم اننا في زمن الظلامية. مدحت بن كيران ونسيت الشعب الذي افقره

  • امحمد شيخي
    منذ 7 سنوات

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. صدق الله العظيم.

  • امحمد شيخي
    منذ 7 سنوات

    بسم الله الرحمن الرحيم . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته استاذنا العظيم احمد الريسوني ﻻ أجد تعبيرا اعبر به عن شعوري وخشوعي عند قراءتي لتعليقكم على بعض االمحللون المتهكنون والذين ﻻ يعلمون . ﻻ يسعني اﻻ ان أقول لكم احبكم في الله وأسأل الله ان يجمعنا في الفردوس اﻷعور

  • تشومسكي المغربي
    منذ 7 سنوات

    لا أعرف في أي خانة سأصنف هذا الكلام هل هو مقال سياسي أو كلامولوجي استهلاكي أم هو ترويج لبضاعة مزجاة!؟ لو سكت كان خيرا لك وله. ويا ليتك اكتفيت بما تعرف حتى لا تهرف بما لا تعرف.