وجهة نظر

حقيقة التاريخ تواجه من يريد حل حزب الاستقلال

ونحن نخلد الذكرى الأربعينية الأولى للمجاهد مولاي محمد بوستة، لابد أن نستحضر بكل تأمل وتبصر حكمة و فطنة الراحل في تعاطيه مع جل النوازل التي عرضت عليه كأمين عام لحزب الاستقلال، متفاديا بذلك أية محاولة لرهن مصير الحزب للجماعات الوافدة، خصوصا تلك التي لم تتشبع لا بمبادئه أو بمرجعياته .
فقد كان المغفور له متملكا لحكمة قلّ نظيرها، بل انعدمت عند البعض من قادة الأحزاب السياسية.

نستحضر من بين تلك المحطات، اللحظة التي اتصل به فيها زمرة من قادة حركة الاصلاح و التجديد، في منتصف التسعينات، بغية انضمامهم الجماعي لحزب الاستقلال فكان جوابه حكيما، عندما صدّ رغبتهم بكل لياقة، قائلا إن حزب الاستقلال ظل منذ تأسيسه مفتوحا في وجه الجميع إلا أن عملية الانخراط به لا تتم بشكل جماعي و إنما بشكل فردي.
ومع مرور السنين، تخلينا قيادة و قواعدا عن هذا المبدأ الذي أسس له محمد بوستة، و فتحت الأبواب للجماعات لتنضم الى حزب الاستقلال دون أدنى قيد أو شرط، خصوصا بعد المؤتمر الرابع عشر، حين ارتهن السلوك التنظيمي بالهاجس الانتخابي، بدعوى انفتاحنا على الأعيان ممن لهم القدرة على كسب الاستحقاقات الانتخابية، فتشكلت بفضل هذا المنهج غير السديد دروع انتخابية داخل تنظيمات الحزب استطاعت مع مرور الزمن أن ترهن قراراته بمصالحها.

هذا اللوبي تقوّى أيضا بسكوتنا و تواطئنا ضد ما تضمنه النظام الأساسي للحزب، وخصوصا الفصل 60 منه و الذي يشترط وجوبا على المترشح للجنة التنفيذية أن يكون قد سبق له أن تحمل المسؤولية داخل إحدى تنظيمات الحزب لمدة لا تقل عن أربع سنوات و أن يكون قد سبق له أن انتخب لعضوية المجلس الوطني لولاية كاملة على الأقل وهو الشرط الذي ينتفي في مجموعة من أعضاء اللجنة التنفيذية .

الخوض في هذا النقاش بالنسبة لي فرضه الانقسام الذي عرفته اللجنة التنفيذية للحزب، و دفعني إلى المشاركة فيه التصريح الذي أدلى به الأخ حمدي ولد الرشيد و الذي صرح للموقع الالكتروني هيسبريس أن اللجنة التنفيذية اليوم تشتغل في ظروف غير قانونية، بل إن تصريحه تضمن ماهو أخطر من ذلك عندما لوّح بإمكانية حل الحزب من قبل وزارة الداخلية.

و أظن بحكم معرفتي بدهاء و حنكة وحكمة الرجل، أنه لا ينطق عن هوى و أن تصريحه هو رسالة نقلها إلى كل الاستقلاليات و الاستقلاليين عن من يشاركونه الحديث عن أمور الحزب و يسارعون الزمن للاطاحة بالاخ الامين العام، كما أني أكاد أجزم أن محاوري الأخ حمدي هم من لفقوا للأخ الأمين العام تهمة “التصريح بتبعية موريتانيا للأراضي المغربية” و حاولوا إقحام حزب الاستقلال في مؤامرة الانقلاب على نتائج انتخابات السابع من أكتوبر الماضي، و عملوا على الضغط في اتجاه عدم مشاركة حزبنا في الحكومة، بل هؤلاء هم من تآمروا على بنكيران وأفشلوا مساعيه لأجل تشكيل الحكومة.

و بالعودة إلى تصريح الحاج حمدي، و إلى ماسبق و أن أشرت إليه أعلاه لابد أن أشير إلى أن تواجد مجموعة من الإخوة باللجنة التنفيذية لم يكن قانونيا، حيث انتخب بعضهم خلال المؤتمر الخامس عشر سنة 2009، و لم يكن أي منهم قد استوفى الشروط المذكورة سلفا، فمنهم من التحق بالحزب بعد سنة 2003 ، و اكتسب عضوية المجلس الوطني بصفته البرلمانية غير أن شرطي “الولاية الكاملة ” و” القيادة بإحدى التنظيمات” انتفيا فيهم.

ثم إن البعض من أعضاء اللجنة التنفيذية، و أخص بالذكر الإخوة الذين اصطفوا ضد الأخ شباط تم انتخابهم خلال المؤتمر السادس عشر ، ولم يمض على التحاقهم بالحزب سوى سنتين أو أقل، و البعض الآخر قدم استقالته نهائيا من الحزب سنة 2011.

لم أكن أرغب في أن يخرج هذا النقاش للعلن على اعتبار أني ممن لا يفضلون نشر الغسيل على السطوح، لكن عندما تخلى قياديونا عن هذا المبدأ و غادروا مقر الحزب للاجتماع في فيلات بعضهم و إطلاق صواريخهم الباردة منها، و لوحوا بإمكانية حل الحزب، فإني أؤكد أنه لا حرج في القول أن تواجدهم باللجنة من الأصل لم يكن قانونيا.

قبل أسابيع كان الأخ حمدي و من معه من أشد المدافعين عن الأخ حميد شباط، فما الذي تغير حتى انقلبوا عليه وصرخوا في وجهه وطالبوه بالتنحي عن مهمة الأمين العام و ألحوا على عدم ترشحه للمؤتمر المقبل؟؟!!
إنها التعليمات ياسادة ..

تعليمات طيور الظلام.. تعليمات الطابور الخامس .. تعليمات التحكم.. تلك التعليمات هي من همست في أذن الحاج ولد الرشيد بإمكانية حل حزب الاستقلال، لذلك وجب ومن باب النصح و الارشاد الاخوي أن أوجه أخانا إلى مضمون المادة 60 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، و التي تحصر حالة حل حزب ما في “حالة اتخاذ الأجهزة التقريرية لحزب سياسي لقرار أو إجراء أو دعت إلى عمل يخل بالنظام العام” و تضيف ذات المادة أن هذا الإخلال يترتب عنه “طلب السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية من رئيس المحكمة الإدارية بالرباط، بصفته قاض للمستعجلات، أن يأمر بتوقيف الحزب وإغلاق مقاره مؤقتا”.

رحم الله المجاهد مولاي محمد بوستة، فقد كان حكيما إلى درجة فطنته بما يمكن أن يتعرض له الحزب من ارتجاج بفعل انخراط جماعات قد تزيحه عن خطه الاديولوجي، و هذا ما وقع بالفعل حيث وقفنا اليوم على صواب قراره، و اتضح لنا أن فتح الأبواب لبعض الأعيان بدعوى قدرتهم على تحقيق مكاسب انتخابية قد يرهننا و يرهن مصير الحزب .