وجهة نظر

بنعباد يكتب: حزب المغاربة

لعل أطول ليلة مرت على حزب العدالة والتنمية كانت ليلة 26 مارس 2017، حيث شكلت لحظة ميلاد غضب شعبي موجه الأمانة العامة للحزب، بسبب “الانقلاب” الكامل على الشروط التي سبق لذات القيادة أن وضعتها من أجل تشكيل الحكومة.

كل شيء في تلك الليلة كان مختلفا، وجوه الناس في المقاهي شاحبة، سائق الطاكسي يلعن الزمن الذي آمن فيه بالسياسية، مراقب “الترام واي” يصرخ أنه صدم من سرعة تحول قيادة العدالة والتنمية، حتى الصحافيون الذين كانت وظيفتهم تغطية حدث ميلاد الأغلبية الحكومية كانوا يلعنون الظروف التي جعلتهم يشهدون “المهانة”.

لم يقبل المواطن المغربي البسيط أن تتبخر كل معاني السياسة؛ فجأة وبدون مقدمات، في هذه اللحظة الحاسمة من الصراع حول الشراكة في تدبير شؤونهم، وأن يكون الحزب الذي وعدهم بـ”الصمود”، هو من قرر التخلي عنهم مع هبوب ريح أبعد ماتكون عن “الإعصار”.

لقد كان بلاغ إبعاد بن كيران مزلزلا، لكن المواطنين تجرعوه بكثير من المشقة، عالجوها بالأمل في أن يكمل الحزب القوي رسالة زعيمه، وأن يكون للقبول بالتخلي عن بنكيران، مقابل تدفعه الأطراف الأخرى، حتى تخرج الحكومة بما يرضي الناس.

غير أن شيئا من هذا لم يقع، فلم تصمد دعاية الحزب القائلة؛ بأنه تنظيم مؤسسات لا أشخاص؛ وأن القرارات تخرج باتفاق أو حتى بإجماع الأمانة في العامة، أمام ما رآه الناس انهيارا سريعا وانقلابا تاما على شروطه في المفاوضات، زاد من حدتها التفاعل المتوتر والمتعالي لقيادة الحزب الأول.

فعلى عكس هذا الجو من الغضب “النبيل” لشعب مجروح الكرامة والكبرياء، كان “الحكماء” في العدالة والتنمية يصورون عملية “الانقلاب”، بأنها استبدال “اجتهاد سياسي” باجتهاد سياسي آخر، وأن الأمر لم يمس مبادئ الحزب الأساسية ولا جوهر رسالته.

كانت قراءة “حكماء” الحزب و”مفكريه” قائمة؛ ومع إحسان الظن بأصحابها؛ على التنكر للتعاقد مع الجماهير الشعبية، حيث اخترلت هذه القراءة الموقف؛ في أن الحزب من حقه التحلل من التعاقد مع الناس، وأنه غير مطالب للوفاء بعهوده التي قطعها، لأنها مجرد “اجتهادات” سياسية.

هذه القراءة استندت على أن الحزب “فوق” أي رقابة شعبية، وأن الناس لاحق لهم على الحزب، وأسقطت في حمأة التبرير أن الأمر يتعلق بـ”تعاقد” قانوني وأخلاقي وسياسي، بين طرفين حول مضمون تم تقديمه في الحملة الانتخابية، ووافق عليه الناس بالتصويت لصالحه، فقيد هذا العقد حرية الحزب، كما أجبره “أخلاقيا” وسياسيا على تحمل نتائج الانقلاب على التعاقد.

وسارع صنف آخر من قادة العدالة والتنمية، بإقامة “محاكم تفتيش” لكل من تسول له نفسه المجاهرة بنقد التنازلات، فصارت توزع الاتهامات يمنة ويسرة، بل انطلقت عملية تصنيف الغاضبين إلى “كتائب المكر”؛ وزراع “الفتنة”؛ ودعاة “تقسيم الحزب”؛ وتجار “الشخصنة”، وعباد “الزعيم”، وطلاب “الصنمية”، و”صناع طواغيت”، دون رغبة في التماس العذر للناس.

غير أن ما فات قيادة العدالة والتنمية أن تلتقط إشارته، أن حزبهم صار تعبيرا عن تيار واسع مع المغاربة، وأن الغضب من انقلابه المفاجئ، دليل على الآمال الكبيرة التي علقها الناس عليه، ومؤشر على مدى الارتباط بطريقة تدبيره لقضابا خدمة الناس والدفاع عنهم دون الطمع في أرزاقهم.

وعوض أن تقدم قيادة الحزب نموذجا في القراءة الهادئة لوضع منفلت وحارق، فشلت في ذلك، بل زادت الأمر تعقيدا من خلال الهجوم المفتوح على الجميع، وشمل الهجوم من يعتبرون أنفسهم أصدقاء الحزب من المدافعين عن الديموقراطية، من أسر سياسية مخالفة.

كان على مسؤولي العدالة والتنمية أن يفهموا أنهم يخوضون صراعا ضد جمهور هم من أتى به إلى السياسة، وتحديدا زعيمهم عبد الإله بن كيران، الذي أنزل السياسة من برجها العاجي وجعلها خبز الناس اليومي، وبالتالي كان سببا حاسما في توسيع دائرة المشاركة السياسية، وكسر قواعد الضبط الانتخابي.

يتعين على ماسكي قيادة العدالة والتنمية أن يفهموا أن الحزب لم يعد ملكا لهم وحدهم، يقررون في مصيره بشكل معزول عن المجتمع، عليهم أن يستوعبوا أن هذا الحزب وزعيمه أصبح جزءا من معيش الناس اليومي، وهم مدعوون أن يقبلوا من الناس أن تشاركهم حزبهم ومصيره ومستقبله، فهم يرونه حزبهم ولسان حالهم وعليه علقوا كثيرا من آمالهم.

إن اتهام الغاضبين جملة، ورفض الاعتراف بالخطأ، وتبرير الانزلاقات، بداية أفول التجربة ما لم يتداركها العقلاء.

ــــــــــــ
كاتب صحافي