وجهة نظر

إيديا الضحكة الموؤودة

بالزغاريد ودعت ساكنة تنغير إديا إلى مثواها الأخير. بزغاريد بطعم ملح الدمع ودعتها ، لأن هكذا هي العادة في بلادنا ، أن نزف الذين ماتوا قبل الآوان بالزغاريد. أي قلب ذلك الذي يبكي ألم الفراق  و يطلق زغرودة الوداع الأخيرة؟ سوى قلب الأمهات. وما أكثر الزغاريد في جنائزنا، ما أكثر الأمهات المكلومات و ما أكثر الذين لا يسعفهم الوطن حتى يكبروا، ثم يختاروا على أي عهد يموتون.

لعبُ الصغار في وطني صار يُدخِل القبر،  ولعب الكبار يدخلهم ملكوت السلطة والجاه. كم تلزمنا من القرابين كي نسد ثقب الوطن النازف؟ كم يلزمنا من إجهاض للأحلام؟ كم يلزمنا من الألم كي يجد الأطفال وطنا يرسم بسماتهم على شفاهه؟ وإذا الضحكة البريئة  الموؤودة سُئلت بأي ذنب روحها من إيديا سُلبت، ماذا ستقول؟ كنت ألعب في “الجنان” ونسيت أن ألبس خوذة واقية؟ كنت ألعب ولم أُعلم وزارة الصحة كي تعد لي سريرا لأموت عليه في مستشفياتها؟ ماذا سيقول من لم تكتب لهم حتى الصرخة الأولى على أسرة المستشفيات؟ ماذا ستقول النساء الذاهبات للوضع كما تذهب الفدائيات  إلى حتفهن باسمات  وخائفات؟ هل ترفع النساء أيديهن إلى ربهن وتدعين كوني عاقرا يا أرض إملشيل؟ هذا ما تقوله التقارير عن وفيات النساء أثناء الولادة، الحوامل في في المغرب مشروع استشهاديات كأنهن لا تحبلن بالحياة بل بالألغام .

والآن وقد صار الأطفال أكثر ضحايا اللامبالاة في هذا الوطن هل تلزمنا  تقارير منظمات تصنف المغرب وطنا غير آمن للعب، للعب الصغار طبعا. إديا هي سليلة مملكة نوميديا أميرة والديها وقريتها التي يأتي السياح ليمتعوا بصرهم بملكوت الله على أرض تنغير، أميرة في مملكة بلا ملائكة تحمي حدودها من الموت المتأهب بين الأغصان و بين الوديان وعلى الشواطئ وعلى حبل المشيمة، إديا اختبار الصبر الساكن جبال الأطلس  واختبار الجرح العميق كعمق الفجاج في كف الوطن ، اختبار متى سيصرخ هذا الوطن بالآه.

انتقلنا  من شهداء زمن الرصاص إلى شهداء زمن الهشاشة والتهميش، هذا هو الانتقال الحقيقي. وما عدا ذلك فهي أحلام دستورية غير  مكتملة و نوايا سياسية ناقصة، ناقصة إيمان و إرادة. كنت قد نويت أن أعدل عن يأسي وأقول أن هناك بارقة أمل داخل المؤسسات، وذهب بي الحلم بعيدا أن هناك شيخا أراد السلطة ورفض أن يبقى مريدا في دار السلطان، فكان له ذلك. وأن هناك في القبة الباردة من سيسرق النوم من عيون العفاريت كي لا تنام بكل ثقلها على كراسي البرلمان، لم آمل أكثر من ذلك. لكني صحوت على عجل وأتى البيان ليضربني على قفاي ”الواقع بيِّن و الخيال بيِّن”، ثم فاجأتني بعد ذلك استقالة بنكيران، فعلمت أن الحقيقة ليست بالضرورة حقا والخيال ليس من المفترض أن يصير حقيقة واقعية وإن كان حقا.

الحقيقة أننا نسير نحو الهاوية بخطى واثقة وواقعية، والخيال هو طيف وطن آمن يحفظ أمنه تعليم ذو قيمة، وصحته مستستشفيات بمعايير إنسانية ومساجد تنأى ببيوت الله عن السياسة، ورياضات أطفال بلا هواجس موت. لا تطلبوا  من شعب لم يُضمن له حقه في تعليم آمن و صحة ومستقبل آمن، أن يرقص على حبل الديمقراطية.

حبل الديمقراطية تلزمه أقدام راسخة وواثقة، لا أجساد مرتعشة، ونحن شعب ثقته بنفسه وبالمؤسسات مهزوزة لأننا لم نتعاقد مع الدولة يوما بملء إرادتنا. وحتى الذين وقعوا على العقد في السابع من أكتوبر على علته عبر الصناديق، ندموا، لم يُحترم توقيعهم وتم تمزيق الوثيقة، وصاح رب البيت أيها الحمقى هل نسيتم أنكم في المغرب وأن الحاكم هنا لا ينتخب؟ موت محسن فكري في العهد الثاني الذي لم يكتمل لبنكيران وموت إديا في عهد العثماني وهو للتو بدأ، هي همسة لم تحسن آذان البيجيدي ربما سمعها: 

“اتركوا مفاتيحهم على عتبة الدار وعودوا من حيث أتيتم ولا تنابزوا على فتات على مائدة السلطة سيزداد تفتيتا مع عهد لفتيت ولن يربح من الحصاد سوى الجرار والباقيات الصالحات على الضفة الأخرى”.