منوعات

من الرباط إلى بوردو: الترامواي والإنتخابات الفرنسية

لأن الغاية من المقارنة هو التقدم والتطور كما يقال، اسمحوا لنا بأن نتسائل كيف يتم اليوم تمديد الترامواي في الرباط وفي سلا؟ وكيف يتم ذلك في بوردو؟ من المعروف أن قرار تمديده في العاصمة مؤخرا تم اتخاذه رسميا بدون أي استشارة مع الجمعيات التي تمثل المواطنين، وبدأت فعلا أشغال التمديد لبضع كلمترات في سلا وفي الرباط. رغم أن الدستور ينص صراحة على مبدأ الديمقراطية التشاركية.

إنها ملاحظة للتأمل مطروحة على منتخبي الرباط وسلا، وعلى البرلمانيين، والجمعيات… لكن هل فات الوقت؟ وهل ما يزال من الممكن تغيير مسار الترام؟ أم أن الوقت لا يفوت أبدا عندما نريد أن نفعل الخير، كما يقول مثل فرنسي شهير؟

في مدينة بوردو الفرنسية، قرر المسؤولون مؤخرا تمديد خطوط الترامواي ليصل إلى أحياء جديدة بسبب الاتساع العمراني.

وبوردو مدينة هادئة، بردها معتدل بفضل نهر “الكارون” الذي يحتضنها احتضانا لطيفا أحيانا، وهائجا أحيانا أخرى مثلما يحتضن نهر “أبي رقراق” مدينة الرباط. يخترق بوردو ترامواي لونه رمادي تطل من نوافذه شقراوات ورجال سود.. في تعايش تاريخي مميز.

لكن، وقبل بدء أشغال التمديد، تم فتح نقاش مع المواطنين، احتراما للديمقراطية التشاركية بهدف الإتفاق معهم على المسار الجديد للترام. وهكذا برزت خلافات بين منتخبي المدينة وبين عدد من الجمعيات التي ترفض مرور الترام من غابة صغيرة ومن ممر خاص بالدراجات.. وهذا الخلاف البيئي ما زال لم يحسم بعد. وقد تقرر مؤخرا عقد 3 لقاءات مفتوحة بمقر البلدية حول الموضوع بحضور السكان وجميع الأطراف المعنية. هذه هي الديمقراطية التشاركية.. صعبة ولكنها تبقى هي روح العصر وسر التقدم اليوم.

في بوردو اليوم، جل النقاشات تتركز حول الإنتخابات الرئاسية حيث صوت جل سكان المدينة على إيمانويل ماكرون في الدور الأول وذلك في ظل أجواء يطبعها القلق من قضايا العنف والإرهاب والهجرة والتنمية، وتعرف المدينة تعايشا كبيرا ومثيرا لجنسيات وأعراق متعددة لسكان من المغرب والجزائر ومن إفريقيا السوداء.. فهي مدينة الهجرة بامتياز. وقد بنى بعض معالمها العبيد السود في القرون الماضية، وهو تاريخ عبودية يتحدث عنه بعض السكان بدون عقد اليوم، لكن لا يعرف كيف سيكون تأثير هذا التعايش على نتائج الإنتخابات في الدور الثاني؟ وهل سينجح أنصار الإنغلاق واليمين التطرف الذي تجسده مارين لوبين؟ أم سينتصر التعايش؟

هذا المزيج الإنساني يظهر بوضوح في قلب المدينة وخاصة في الشارع الكبير المعروف بـ “سانت كاترين” (اسم قديسة لها كنيسة شهيرة) وهو شارع يفتتحه تمثال ضخم من نحاس لسلحفاة ضخمة وضعت على الأرض (فكرت أنا القادم من الرباط أن السلحفاة في الثقافة المغربية رمز لجلب الرزق وصد العين والحسد). وقد وضعت السلحفاة أمام قوس “النصر”. وقرب القوس، يقف رجل وامرأة يعرضان مجموعة من الكتب بالفرنسية ولكن أيضا بالعربية تحمل عنوان “كيف نعالج قضايا الإكتئاب النفسي لدى الشبان” علما بأن العربية بدأت تدرس مؤخرا في المدارس الفرنسية.

وغير بعيد عنهما، يقف عدد من نشطاء من جمعية “أطباء بلا حدود” الشهيرة بلباس أزرق وهم يعرضون منشوراتهم، ويعرفون المارة بالخدمات التي يقدمونها كجمعية إنسانية. كل هذا يجري وسط شارع بضج بأجواء الموسيقى وبصخب المتاجر التي تعرض سلعها أمام جمهور غفير، وسياح أتوا من عدة مناطق من العالم في رحلات خاصة عبر نهر “الكارون”. لكن في بعض الدروب المجاورة للشارع، يقف بعض رجال أمن وجيش لمراقبة المكان بشكل خفي. فرهان الحفاظ على الأمن وعلى الحرية أساسيان وجوهريان للديمقراطية الفرنسية اليوم ولشعارها “حرية، مساواة، إخوة”. وهو رهان كل المجتمعات اليوم في زمن العولمة، رغم التباينات والإختلافات. إنه رهان الديمقراطية التشاركية.