وجهة نظر

دور الأسرة في رعاية الطفل الموهوب وتنمية الموهبة لديه

في الغالب أول من يكتشف الطفل الموهوب أسرته، وتكون الأم عادة هي أول من يكتشف أن ولدها متميز عن أقرانه، باعتبارها الحاضن الرئيس للطفل، ويكون ذلك في حالات كثيرة منذ السنوات الأولى من حياته، إلا أن بعض الآباء يواجهون صعوبات تتعلق بمسألة الكشف عن الطفل الموهوب، من أهمها عدم معرفتهم بطبيعة الموهوب وخصائصه، وأساليب الكشف عنه، وعلى العموم فالأسرة تقع عليها مسؤولية اكتشاف موهبة الطفل ورعايتها وتنميتها، والتعرف على أساليب التعامل الصحيح مع الطفل، والدفع به لتطوير الموهبة والاستفادة منها.

لقد حدد كولانجلو وداتمان دور الأسرة في الكشف عن الموهوب في الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: التعاون مع المدرسة عن طريق عقد اللقاءات مع معلم الطفل لإعطائه المعلومات الكافية عن طفله الموهوب، لأن المعلم لن يكون لديه الوقت الكافي لكشف الموهبة لدى جميع الطلاب.

الخطوة الثانية: عقد لقاءات مع الاختصاصي النفسي أو المرشد النفسي كي يمده بالمعلومات اللازمة عن سلوك الطفل الموهوب، والتعرف على أساليب التعامل الصحيح معه، ومراعاة الخصائص النفسية والاجتماعية للطفل الموهوب، ورعاية قدراته الخاصة.
الخطوة الثالثة: اللجوء إلى مصادر الدعم في المجتمع من جامعات ومؤسسات مجتمعية لتوفير المساعدات المادية والفنية لرعاية الطفل الموهوب.

إذن فدور الأسرة أساسي في الكشف عن الطفل الموهوب وتنمية قدراته، بل تعد الأسرة المحضن الملائم لتنمية الموهبة والإبداع عند الصغار، فالعالم النفسي بلوم يرى أن الأسرة تقوم بالدور الأهم في زرع الموهبة لدى الطفل وتشكيلها، وأن الأسرة إذا لم تقم بتشجيع الطفل وتقديره وتوفير المناخ الملائم له في البيت، فإن الموهبة تبقى كامنة غير ظاهرة، وفي الدراسة التي أجراها هذا العالم على 120 من الموهوبين أبانوا عن نبوغ منذ الصغر في مجالات مختلفة كالرياضيات والنحث وبعض الرياضات ..توصل إلى أن دور البيت أهم من دور المدرسة في تنمية الموهبة لدى الطفل ويتحدد دور الأبوين في توفير نماذج إيجابية يقلدها الطفل، وإكسابه اتجاهات إيجابية نحو العلم والتعلم.
وفي رأيي أنه لابد أن يتكامل دور الأسرة والمدرسة في اكتشاف الطفل الموهوب وتنميته ورعايته، لأن المدرسة قد تسهم في كبت موهبة الطفل وقهرها، إذا اتبعت أساليب تربوية عقيمة، تحد من إبداع الطلبة، وكانت لا توفر لهم المناخ المناسب لتطوير مهاراتهم ومواهبهم، ففي مثل هذه الحالة تكون المدرسة تعيق دور الأسرة في تنمية موهبة الطفل.

ويشهد الواقع المعيش، وكما تشير كثير من الدراسات على أن أغلب أسر الأطفال الموهوبين يتمتعون بتوافق أسري جيد، وأن نسبة الطلاق منخفضة، وأن العلاقات الأسرية للموهوبين الناجحين تتميز بالتفاهم والحب والسعادة الزوجية، وعليه فالتماسك العائلي والانسجام بين الزوجين له كبير الأثر في الكشف عن الطفل الموهوب، والدفع به إلى تنمية قدراته، وتطوير موهبته.

كما بينت دراسة الباحثة آن رو على ثلاث مجموعات من العلماء المبدعين، أن أهم عوامل البيئة الأسرية المشجعة للإنجاز العالي هي توافر الحرية وتضائل العقاب والتشجيع المستمر الذي يستخدمه الآباء مع أبنائهم .
إذن لا شك أن البيئة الأسرية السليمة والمشجعة لها أهمية قصوى في اكتشاف الطفل الموهوب، ورعايته، وتنمية موهبته، وإبراز إبداعه وتفوقه، خاصة إذا توفرت في البيئة الأسرية العناصر الآتية:
– ممارسة الأساليب الأسرية السوية في تنشئة الأبناء، أي البعد عن التسلط أو القسوة، والتذبذب في المعاملة، والمفاضلة بين الأبناء، والتدليل الزائد، والحماية المفرطة، وغيرها من الأساليب غير السوية؛
– تشجيع الاختلاف البناء؛
– تقبل أوجه القصور؛
– وجود هوايات لدى الأبناء؛
– توافر جو من القبول والأمان وعدم الإكراه؛
– إتاحة الفرصة للاستقلالية والاعتماد على النفس؛
– الاتجاه الديمقراطي والايجابي نحو الأبناء؛
– الانفتاح على الخبرات؛
– التنوع في الخبرات؛
– تعويد الطفل على التعامل مع الفشل والإحباط .

وعلى العموم فإن البيئة الأسرية الغنية ثقافيا، الآمنة سيكولوجيا، تساعد على تنمية الموهبة والإبداع لدى الطفل، خاصة إذا اجتهد الأبوان في توفير الكتب والألعاب المثيرة للطفل ذهنيا، وتشجيعه على الرحلات العلمية والثقافية والمخيمات الصيفية، وتشجيعه على بعض الهوايات المفيدة، وبدلا جهدا مقدرا في الإجابة على أسئلته، وتشجيعه على القـــــراءة، والتــواصل اللفظـــي معهما، ومع الآخرين، والعمل على تلبية احتياجاته العاطفية والنفسية، “لأن تربية الذكاء العاطفي لدى الطفل لا يقل أهمية عن تربية الذكاء العقلي”كما يؤكد العالم جولمان .

فكثير من الأطفال الموهوبين الذين يتميزون بقدرات عالية، وذكاء حاد، قد يفشلون في حياتهم العملية، إذا لم يحضوا بالرعاية العاطفية والنفسية من قبل الآباء، لأن الأطفال الذين يكتسبون الذكاء العاطفي يكونون أكثر قدرة على التعامل مع مشاعر الفشل والإحباط والغضب والانفعال، وأكثر قدرة على التفاعل مع الآخرين، وعلى استخدام المهارات الاجتماعية التي تجعلهم أكثر قدرة على حل المشكلات والتغلب على صعوبات الحياة.

إذن مما يساعد الأسرة على تنمية الذكاء العاطفي للطفل الموهوب توفير المناخ العاطفي الملائم، وحسن رعايته، ومساعدته على بناء علاقات اجتماعية سليمة مع الآخرين.
ومما ينبغي أن يتنبه إليه الآباء عدم حرمان الطفل الموهوب من حقوقه المرتبطة بهذه المرحلة من حياته، كاللعب، والمرح، لأن له احتياجات جسمية واجتماعية وعاطفية، مثل بقية الأطفال، حتى لو تميز عليهم في التفكير، وطريقة التحليل وبعد النظر، وعدم ممارسة الضغوط عليه، وتقييد حريته بشكل مفرط خوفا عليه، أو انطلاقا من كونه مختلف عن بقية أقرانه.

وينبغي الإشارة أن رعاية الموهوبين والنجباء من الطلبة تقع على عاتق الأقارب أيضا إذا لم يكن لهم آباء، أو كان آباؤهم لا يقدرون على تحمل مصاريف طالب العلم ونفقته، فقد اعتبر الإجهاد الفقهي الإسلامي أن الاشتغال بطلب العلم يوجب النفقة على الغير من الأقارب، وخص متأخرو الحنفية أن هذه النفقة تجب للنجباء من الطلبة دون غيرهم، وقالوا أنه يستدل على النجابة بعلاماتها المعتادة في ميدان الدرس والتحصيل .
مبحث 3: المدارس الخاصة برعاية الموهوبين.

تسعى المدارس المحتضنة والراعية للطلبة الموهوبين تقديم برامج تربوية تتناسب مع قدرات الطلبة واهتماماتهم، فالتطور الذي عرفه التعليم زاد من حدة الفروق الفردية بين الطلبة، والطلبة الموهوبون والمتفوقون والمتميزون لا يمكن تنمية قدراتهم وتشجيعهم والاستفادة منهم، إلا إذا خضعوا لبرنامج خاص، يتناسب مع إمكانياتهم وطاقاتهم ومواهبهم، ويلبي احتياجاتهم، فكما يحتاج الطلبة الذين يعانون من صعوبات في التعلم والفهم، والذين يتميزون ببطء في مسايرة البرامج التعليمية إلى رعاية خاصة واهتمام زائد ودعم كبير، فإن الطلبة الموهوبين لهم احتياجات خاصة، وواجب على المجتمع أن يوليهم الرعاية اللازمة والاهتمام المطلوب، وتخصص لهم البرامج المناسبة لهم، وتوفر لهم الوسائل والإمكانيات التي تفجر طاقاتهم فيطورون قدراتهم ومواهبهم، فيستفيدوا ويستفيد المجتمع منهم.

ولما كان الطلبة الموهوبون يحتاجو