مجتمع

مسكين: تكويني علمي وقانوني وأنا صحافي بالصدفة مع سبق الإصرار

نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم. يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون “في عمق” المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولا وعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان.

التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح.

حلقة اليوم مع صحافي شاب إبن الرباط هو يونس مسكين صحفي بأخبار اليوم.

يونس، ما الذي تتذكره عن طفولتك؟

إن جاز لي تلخيص الإجابة في كلمة ستكون هي “الأمل”. فقد كانت طفولة بسيطة في وسط يقع على الهامش اجتماعيا، لكن الأمل كان كبيرا والثقة أجيدة في المستقبل.

النافذة الرئيسة التي كان ينفذ منها هذا الأمل كانت هي الدراسة. فوق حصير “مسيد” متواضع لفترة قصيرة، ثم في طاولات “مدارس” أولية شعبية كانت تقيمها بعض الفتيات والنساء المتعلمات داخل إحدى غرف البيوت، مع لوحة بسيطة تعلن عن وجود الروض، هناك تعلمت الحروف الأولى.

هذه التجربة على بساطتها تعزز قناعتي الكبيرة الآن حول أهمية التعليم الأولي لأنه سمح لي بخوض مسار دراسي ناجح، كتلميذ متفوق وطموح.

كيف جاء التحاقك بالصحافة؟

يمكنني القول إن التحاقي بالصحافة كان صدفة مع سبق إصرار. صدفة لأنني لم أفكر يوما في تعلم حرفة الصحافة واتخاذها مهنة لي، بل كنت أحلم بإخراج كتاباتي الطفولية في مذكرات متواضعة إلى النور يوما ما، لكن في سياق ممارسة فكرية ثقافية موازاة مع مسارات مهنية أخرى كنت أحلم بها، وضعت القدم الأولى في طريق مسار علمي استثنائي، خاصة بعدما تمكنت من ولوج شعبة العلوم الرياضية (ب) ضمن أربعة أقسام كانت تضم نخبة هذه الشعبة في جهة الرباط، بثانوية مولاي يوسف بالرباط.

لكن الأقدار كان لها رأي آخر، حيث توقف هذا المسار الدراسي في منتصف السنة الدراسية الثانية للباكالوريا، واضطررت للتوقف عن الدراسة ثلاث سنوات. عدت بعد ذلك لاستئناف المسار الدراسي عبر باكالوريا أدبية، أخذتني إلى كلية الحقوق بالرباط لدراسك القانون باللغة الفرنسية، موازاة مع تحضير دبلوم في المعلوميات بمدرسة خاصة. لكن الأقدار كانت تخفي أشياء أخرى، حيث قادني الحصول على باكالوريا ثانية إلى البحث عن تكوين آخر أجمع بينه وبين الحقوق، فوجدتني صدفة اجتياز مباراة ولوج معهد الصحافة. كان نجاحي في تلك المباراة إشارة التقطتها، مفادها أن الأقدار تسوقني إلى هذه المهنة. وعندما أقول عن سبق إصرار، فلأنني كنت مدمنا على قراءة الصحف، بل وجمعها وأرشفتها ومراسلتها لإبداء آرائي وملاحظاتي، وهكذا اجتمع سبق الإصرار مع الصدفة.

هل كنت تتوقع يوما أن تصير صحافيا؟

كما قلت، الصحافة لم تكن تشكل بالنسبة إلي طموحا مهنيا، بقدر ما كانت تثير شغفي بالقراءة والكتابة. كنت أقرأ لبعض الأقلام المشهورة والكتاب الكبار، وككل طفل ثم شاب كنت أحلم بأن أصبح مثلهم في يوم من الأيام. الصحافة بالنسبة إلي كانت بمثابة وظيفة نبيلة للدفاع عن الحرية والمصلحة العامة والتقدم والعدالة.

بعيدا عن الصحافة، ماهي اهتماماتك في السياسة والثقافة والرياضة والمجتمع؟

أعتقد أن احتراف مهنة ما عن حب يعتبر حظا استثنائيا، لأنه يجعل حياة المرء مرتبطة بشكل مباشر بما يحبه. لهذا الصحافة بالنسبة إليّ هي نافذتي نحو باقي الحقول والاهتمامات، رغم أنها تستأثر بجل أوقاتي وغالبا ما يكون ذلك على حساب ميولات أخرى في مجال الفكر والثقافة، خاصة حقول التاريخ والفلسفة والحقوق.

ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟

أقرب المدن إلى قلبي هي مدينة الرباط. لا أستطيع تحديد سبب معين، لكنها المدينة التي ولدت وكبرت بالقرب منها، وهي المكان الذي أشعر فيه بالجمع بين الرغبات النفسية والالتزامات الحياتية المتنوعة. الرباط هي مدينة الدراسة والأحلام والهدوء والسكينة، لذلك هي مدينتي المفضلة.

ألا تشعر بالندم أنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟

لا أبدا، لا أشعر بذلك، وطالما رفضت فرصا مهنية أخرى، أكثر إغراءً ماديا أحيانا وأقل إرهاقا في أحيان أخرى. لكنني حتما سأندم على احتراف هذه المهنة في اليوم الذي سأضطر فيه إلى ممارستها بشكل يناقض قناعاتي واختياراتي.

ألا تظن أن دور الصحفي ليس هو دور الكاتب؟

طبعا، هناك فرق كبير وشاسع بين الصحافي والكاتب. أنا ممن يعتقدون أن الصحافة حرفة بالمعنى الذي يجعل لها وظيفة محددة بأدوات وقواعد دقيقة. الصحافة ليست كما يعتقد الكثيرون هي الكتابة. قد لا تكون كاتبا بارعا لكن بإمكانك أن تصبح صحافيا إن تمكنت من قواعدها وأدواتها بما في ذلك كيفية كتابة المادة الصحفية في كل جنس ومجال على حدة.

كما يمكنك أن تكون كاتبا مرموقا دون أن يعني ذلك أنك صحافي الفطرة. الصحافة حرفة مهمتها فتح أعين المجتمع على ما يدور بداخله ومن حوله، وتمكينه من المعطيات الضرورية لاتخاذ القرارات وتشكيل الآراء. هذه الوظيفة ترتبط بقواعد دقيقة من بين أول ما تتطلبه هو التخلص من الذاتية والنرجسية والعاطفية التي قد ينطوي عليها العمل الأدبي.

هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أو كاتبا، ماذا تصنف نفسك إذن؟

بناء على ما قلته أنا أعتبر نفسي صحافيا، ولست كاتبا.

هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟

طبعا حين يكون فعل الكتابة جزءً من ممارستك المهنية فأنت تنضبط إلى أوقات معينة في إنجاز موادك الصحافية.

كيف عشت أجواء رمضان خلال الطفولة وبعدها؟

أعتقد أن رمضان يرتبط في أذهان الكثيرين بالحنين إلى الطفولة. وهذا الأمر يعود إلى الأجواء التي كان هذا الشهر يرتبط بها في طفولتنا، ولا نجد لها أثرا الآن. لا أستطيع أن أجزم ما إن كان الواقع هو الذي تغير أم نحن، لكن الأمر أصبح مختلفا جدا.

ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟

الحرية: هي الشريان الذي يربطنا بالحياة.

الحب: هو الغذاء الذي يبقينا فيها.

الوطن: الأمل الذي نعيش من أجله.

ما رأيك في هؤلاء؟

المهدي المنجرة: رجل سبق زمانه ولم يأخذ نصيبه من التقدير والاهتمام قيد حياته. لكنه خلف إنتاجات ومؤلفات وأفكارا تبقيه حاضرا وتسمح باستدراك التخلف الحاصل مقارنة بقراءاته وأفكاره في أي وقت.

عبد الله العروي: رجل صادفته في مرحلة حساسة من حياتي، وكان له دور وأثر كبيرين فيها. صادفته حين قرأت رواية سيرته الذهنية “أوراق” وأنا أحضر لامتحان البكالوريا كمرشح حر في شعبة الآداب، بعد ثلاث سنوات من انقطاعي عن الدراسة في شعبة الرياضيات. وكان لتلك الرواية أثر خاص في نظرتي إلى الحياة وأعد قراءتها عدة مرات، وأعتقد أنها حضرت في كثير من كتاباتي، خاصة في جنس الـ “بروفايل”، حيث أحرص دائما على تتبع السيرة الذهنية للأشخاص إلى جانب سيرة حياتهم.

ناصر الزفزافي: شاب يجسّد اللحظة التي يعيشها المغرب حاليا. يضحكني من يبذلون جهدا كبيرا في تحليل خطابه وتشريح أفكاره والنبش في خلفياته، بينما الزفزافي هو مجرد صرخة من عمق المغرب، وجب الانصات إليها عوض شيطنتها.