مجتمع

زينب سالمي .. طفلة تستعيد السمع بفضل نداء على “اليوتيوب”

لم تظن يوما والدة الطفلة “زينب سالمي” ذات الثلاث ونيف سنوات، أن طفلتها ستنعم بحاسة السمع كباقي الأطفال، بعد مرور أزيد من سنتين على نداء ذاع صيته على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ولم يجد طريقا إلى ذوي الإحسان، وبعد اقتراب الطفلة من سن ستنزل معه درجة نجاح العملية إلى نقطة الصفر.

تنحدر الطفلة زينب من بوذنيب بإقليم الرشيدية، من عائلة ترزح تحت عتبة الفقر، وتكابد شظف الحياة في مدينة يعتمد السواد الأعظم من ساكنتها على الفلاحة للبقاء على قيد العيش، وترقد على ثروة مائية باطنية جد مهمة وتسيل لعاب مستثمرين هم وزراء وبرلمانيون ومسؤولون كبار في الدولة.

هي طفلة أكملت مدة مكوثها الطبيعية داخل رحم الأم، ولمحت نور الحياة بطريقة طبيعية، من أم تحمل شهادة جامعية وناضلت لسنوات أمام باشوية بوذنيب لأجل إيجاد مقعد عمل يقيها السؤال والحاجة، وأب مغلوب على أمره، ويحمل بدوره شهادة جامعية ويعمل تارة مياوما وتارة فلاحا في رقعة أرضية بأحد دواوير المدينة، ولم يفكر يوما أن القدر سيجعله لمدة معينة أبا لطفلة لا تلتقط أذناها الإشارات الصوتية ولا تسمع همسا.

الصمم الكلي .. فقدان حاسة يتسبب في تغييب أخرى

إصابة زينب، اكتشفتها الأسرة في وقت مبكر جدا حينما لاحظت الأم، عن طريق الصدفة، أن الأصوات لا تتناهى إلى أي من أذني الطفلة، وأنها لا تستجيب حتى لِحِس ألعابها التي تتحلق حولها منذ مطلع كل يوم، وأنها لم تُبد أية إشارة لنطق أحرفها الأولى، وهنا بدأت رحلة زينب رفقة أسرتها في البحث عن تشخيص الداء، لأجل اغتنام كل الفرص المحتملة في العلاج، فظلت تتنقل بين مراكز الاستشفاء والمصحات قصد تأكيد الإصابة بالصمم الكلي.

قُطع الشك باليقين، بعدما صدرت فحوصات طبية متطابقة من اختصاصي الأنف والحنجرة، وتخطيطات تثبت عدم وصول موجات الصوت إلى باطن الأذن، وهذا ما عنى للأم عدم قدرة طفلتها على السمع وعلى التحدث طيلة حياتها، في حالة عدم إجراء عملية جراحية لأجل تركيب جهاز “القوقعة” قبل سن الخمس سنوات، فانتهت الأسرة إلى تكثيف طلبات التدخل والعلاج من مختلف الهيئات الرسمية وغير الحكومية وكذا الوسائط التواصلية بدءا بنداء مصور على موقع اليوتيوب مرورا بصفحة على موقع التواصل الاجتماعي ‘فايسبوك’ تُعرف بمرض الطفلة، وظروف الأسرة.

الأسرة كانت تعلم جيدا أن حياة ابنتها بشكل طبيعي يتوقف على إجراء عملية ناهزت 25 مليون سنتيم، لذلك لم تتوانَ في التقدم إلى كل من رأت فيه قد يكون سببا في إنهاء معاناة طفلتها وإنقاذها من صَمم بلغ مبلغه، قد يعجزها في التواصل مع العالم، حتى أن طلباتها تجاوزت حدود الوطن بفضل إمكانية انتشار المعلومة في العالم.

سنتين من طرق الأبواب .. وبداية انفراج

تعدد المتدخلون، وكثر الواعدون بحل مشكل أرق زينب ووالديها لأزيد من ثلاث سنوات، من الهيئات والأشخاص والمنظمات الخيرية، غير أن أسرة الطفلة لم تكن تعلم أنه يمكن توفير مصاريف العلاج والتطبيب بفضل تكتل أبناء المدينة الذين ينشطون في إطار مدني يجمع هيئات المجتمع المدني ببوذنيب (إقليم الرشيدية)، فحدث أن تلقت “فيدرالية جمعيات حوض كير” خبر استمرار بحث الأسرة عن المعين في إنقاذ طفلتها من الصمم والبكم، لتشرع في تجميع المساعدات المالية ومباشرة الإجراءات الإدارية لإجراء العملية للطفلة زينب.

بدأت الرحلة الثانية لأسرة سالمي، بالانتقال لعاصمة المملكة حيث ستُجدد فحوصات إصابة الطفلة، وتشرف الفيدرالية على ضمان إجراء العملية في ظروف صحية وسليمة، واستغرقت ثلاثة أشهر حتى يتم تحضير الابنة للجراحة، فتنفست العائلة الصعداء وتأكدت أن جدار الواقع الذي ظلت تصطدم به طوال سنتين من طرق الأبواب كان وهميا ولم تواجهه بالقدر الذي واجهها به.

أنهت الفيدرالية الفتية، معاناة طفلة ذات في ربيعها الثالث، ومن خلالها أسرة ظلت تبيت وتصبح على هاجس تفويت فرصة العيش الطبيعي للإبنة، فانطلقت الأسرة في رحلة ثالثة لتُعلم ابنتها نطق الحروف وتركيب الكلمات عبر سلسلة من حصص الترويض ستمتد لشهور عدة حتى تتأقلم مع وضعها الجديد.