وجهة نظر

عزيزي الملك المفدى و صاحب السلطة و السلطان

ما زِلتُ أتذكر وقوفكم الكريم، تحت زخات المطر وسط تاونات في أحد أيام شهر نونبر من سنة 2010، إكباراً و إجلالًا لعلم و طني يرمز لمغربيتنا و وحدتنا، وقفة تاريخية تجسدت فيها كلُّ المعاني المُحكمة و المُتشابهة التي يحملها النشيد الوطني بين حروفه و ألفاظه، و حتى تلك التي عُرِفت معانيها و تلك التي لم تُعرف بعدُ. وقَفتم و عن يمينكم تنتصب صومعة مسجد تاونات المركزي، وما تجسده من قيم و مبادئ كونية؛و عن يساركم مقر عمالة تاونات التي بها مكتب السيد العامل،المسؤول الأول عن تحدي التنمية في الإقليم، و الذي له قسط من “عِزَّة و سلطان” يستمِدُّه من جلالتكم، ما دام تعيينه يتم بناء على ظهير ملكي سامي، لا يمكن أن يتشرف بحمله إلا من توفرت فيه خصال المواطنة الصادقة و المتقدمة،قبل أن يحضي بثقتكم المولوية.

كانت اللحظة تاريخية، شافية للعديد من الآلام و منعشة للكثير من الأحلام. حدثٌ غَيرُ عادي أن يقف ملك البلاد، السلطة العليا و الأولى في البلد، في ذلك المكان و تحت أجواء غائمة غمرت أمطارها أبدان التاوناتيين غير آبهين بذلك بعدما غمرت قلوبهم فرحة تواجد الملك بين ظُهرانيْهم. المكان حيث أُدِّيَّت لجلالتكم التحية من طرف فرقة من الحرس الملكي تحولت في السنوات اللاحقة لزيارتكم إلى منصة للكثير من مهرجانات الطقطوقة الجبلية و الحفلات الفنية في محاولة لتجميل الحياة في أعين مواطن يعاني الصعوبات و يصارع من أجل البقاء.

طبعا، كُنتم مباركاً، و خرجتم بعشرات الكيلومترات عن مكان إقامتكم بتاونات. وصلتم فناسة باب الحيط و بلدية طهر السوق، شمالا، و الوردزاغ و قرية بامحمد جنوبا، و تيسة شرقا، بحيث أعطيتم انطلاقة عدة مشاريع تروم رفع الإقصاء و التهميش عن سكان المنطقة، التي تتميز بسلمية أهلها و حبهم لوطنهم و رموزه، و بعزة أنفسهم و الكد في كسب لقمة عيشهم اليومية. كان أهم مشروع في تلك الزيارة هو ربط ساكنة إقليم الماء بالماء انطلاقا من حقينة سد الوحدة الذي دشنه والدكم الحسن الثاني رحمه الله في آواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

بلغني حينها أن المُرتِّبين لزيارتكم الميمونة عمدوا إلى رش الطرقات، أو بالأحرى المسالك، المؤدية إلى تلك الجماعات بقشرة من رقيقة من الإسفلت و الحصى في محاولة لإخفاء تجاعيدها و ندوبها التي تحتفظ بها من عهد القائم بالأشغال الإستعمارية بالمغرب (1912–1956)، و التي سرعان ما عصفت بها عجلات سيارات الوفد المرافق لجلالتكم؛ فضلا عن مبادرات أخرى كانت تروم إخفاء الحقائق المُرَّة الذي تراكمت عليه ديون عدم القيام بالواجب و العبث بالمسلسل الإنتخابي لعقود من الزمن.

عزيزي الملك المفدى و صاحب الجلالة،

عشية اليوم، 06 رمضان المبارك 1438، الموافق ل 01 يونيو/حزيران 2017، كان يوما غيرُ عاديٍّ بتاونات، إذ بعد زيارتكم التاريخية التي زرعت فينا الحب و العز و النخوة و الأمل، تفاجأنا كمواطنين بأن قوات الأمن ملأت الأرض التي وطأتها أقدامكم… وذلك بعدما أمْهَلْتُم الذين قلدتهم مهمة و شرف مساعدتكم على تدبير أمور المواطنين في هذه البلدة الطيب أهلها سبعة سنوات لإخراج المشاريع التي دشنتموها بأنفسكم. لكن لا شيء من ذلك تحقق. مرت سبع سنوات و التهميش و التدهور سمتها الواضحة ، و العطشُ العنوانُ الأبرز في الإقليم الذي ينام بين أحضان السدود السبعة و على ضفاف الأودية العشرة . الطرق ازدادت تدهورا، المدارس بعيدة على أن تكون مدارسا، و المستشفيات أصبحت مرادفا للعذاب و بعد الأمل في الشفاء…

هذه الأوضاع، و بعد نفاذ صبر الأهالي الذي عمَّر لعقود، جعلت مواطني هذا الإقليم الذي سعد بزيارتكم له في نونبر 2010 يعبرون عن احتجاجهم عن الفساد و انسداد الأفق و الإقصاء المقرون بالاغتناء السريع على حساب المشاريع المرصودة له. و عِوَضَ أن يتميز مسؤولو الإقليم بالحس القيادي و النظرة الاستباقية الإيجابية وفق معادلة “مهم و غير عاجل” التي كان عليهم أن يتبنوها صبيحة مغادرتكم لهذه المدينة يوم 10 نونبر من تلك السنة التاريخية، فإنهم أخلدوا للنوم و اقتسام الغنائم، و ها هم اليوم يدبرون أمور العباد وفق منظور “عاجل و مهم”، الذي يجعلهم يتصرفون كالذي يتخبطه الشيطان من الخوف أوِ المس.

تاونات التي عاشت هادئة، تفطر بالشاي و الزيتون، و تتعشى على التين و الحريرة، وتُغذي الوطن بالجنود الأشاوس و الأمنيين المخلصين و الأطر المتفانية في عملها، تفاجأت هذا المساء بإجراءات أمنية غير مسبوقة، و لم تكن ضرورية، بل كل ما فعلتْ هي أنها شكلتْ مُنعرجا جديدا سيظل منقوشا في ذاكرة الساكنة أطفالا و نساء و شيوخا: مشاهد حولت المدينة إلى منطقة عسكرية خرجت لإسكات مواطنين يعلم الجميع أنهم ملكيون أكثر من جلالة الملك نفسه. تواجد الفرق الأمنية بتلك الكثافة و التنوع، و في لشهررمضان الفضيل، مباشرة بعد صلاة التراويح، دليل قاطعٌ و غيرُ مُجادَلٍ فيه بأن مسلسل التنمية بتاونات فاشل و متوقف يا جلالة الملك، و ضحاياه قد لا تصلكم أخبارٌ عنهم. منظرٌ و واقعة كانت شهادة حية و كافية على أن مخطط التنمية في إقليم تاونات تشوبه اختلالات، و أن السياسات التي ظلت متبعة منذ زيارتكم للإقليم لم تقدر جلالتكم حق التقدير ، و أنه نتج عنها تفاقم المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية، تضررت منها حتى المدن المجاورة للإقليم، خاصة مدينتي فاس و مكناس، من خلال التزايد السكاني و البناء العشوائي و استنزاف الأراضي الفلاحية المحيطة بتلك المدينتين، جراء هجرة ساكنة إقليم تاونات إليهما بحثا عن فرص عيش أفضل.

فأدامكم الله، يا مولاي، ذخرا و ملاذا لهذا الشعب المتعدد الأعراق و اللغات، و شد أزركم بالصالحين من هذا الوطن

وحرر بتاونات، يومه الخميس 06 رمضان المبارك 1438، الموافق ل 01 يونيو/حزيران 2017.
التوقيع: مواطن تاوناتي يتكلم بلسان الخائفين على مصير و مستقبل مدينتهم.