وجهة نظر

العدل والإحسان: “وما بدلوا تبديلا”

يتساءل كثير من المتتبعين لجماعة العدل والإحسان، عن غياب مواقف وتصريحات رسمية لقادتها تواكب ما يجري من أحداث بمنطقة الريف وغيرها.كما يرون حسب تقديراتهم، تراجعا في خطاب الجماعة اتجاه من يتحمل مسؤولية الفساد والعبث بمقدرات البلاد، إذ يعتبر هؤلاء أن خطاب الجماعة قد تنكب عن رأس الفساد وانشغل بأدواته. لهؤلاء أقول وبغض النظر عن الغايات والمقاصد التي تؤطر انتقاداتهم:

بداية، قيادة جماعة العدل والإحسان ليست بحاجة إلى تجديد مواقفها، ما دامت هذه المواقف تنتمي لخطاب:

-رسالة الإسلام أو الطوفان

-رسالة القرن

-رسالة إلى من يهمه الأمر

كما أن البيانات الصادرة عن المجلس القطري للدائرة السياسية واضحة في تشخيصها للوضع في المغرب ولا تقبل تأويل في التأكيد على مسؤولية الملكية كمؤسسة مخزنية.

كما يمكن أيضا العودة إلى تصريحات الأمين العام التي تخاطب بوضوح المؤسسة المخزنية التي يرأسها الملك،وتحملها مسؤولية الفساد الاقتصادي والسياسي.

ويكفيكم عبارات من قبيل “النظام المستبد”، و”المؤسسات الصورية”، و”المخزن المستبد” لينقشع عنكم الغبش وتتجلى أمامكم المواقف ساطعة وناصعة.

إننا في جماعة العدل والإحسان نواجه ونتحمل حربا شعواء ويومية من قبل المخزن المتوحش، والذي لا يتردد عن المس بوظائفنا ومصالحنا، ولا يتوانى في حرماننا وحرمان أفراد عائلاتنا من الترقيات والوظائف والمناصب،بل وحتى من الترفيه في المخيمات. فهل يعد صمودنا هذا، وعدم رضوخنا تزلفا وتقربا للمخزن، ام ضريبة على المواقف الثابتة التي تؤلم النظام الحاكم في أساس مشروعيته. وهل رأيتمونا يوما مع جوقة البيعة نلبس البياض ونركع لرأس الاستبداد، أو ضبطتمونا نرسل بالتهاني المنمقة بالتبريكات، أم سمعتمونا نستجدي السدة العالية على أعتاب الذل والهوان؟

اسمعوا يرحمكم الله! إن جماعة العدل والإحسان قد قدمت الشهداء في ساحات التدافع، كما قدمت المعتقلين بما يناهز 300 سنة من حياة أعضائها وآخر ذلك عشر سنوات ظلما وعدوانا لعمر محب. (يمكنكم ان تضربوا عدد السنوات في عدد المعتقلين لتحصلوا على النتيجة).

ولا يزال المخزن المتوحش مستمرا في قطع أرزاقنا، وترسيب أساتذتنا، وعزل علمائنا، ومصادرة كتبنا، وتشميع بيوتنا، ومنع جمعياتنا، ومحاصرة رأينا وخطابنا، وتشويه أعراضنا…

ومع كل ذلك فلا زلنا بتوفيق من الله وتثبيت منه سبحانه، على درب التدافع سائرين جنبا إلى جنب مع كل المغاربة الأحرار، نعتبر أنفسنا جزءً أصيلا من هذا الشعب، لا نقبل ان نمارس الأستاذية عليه، بل نسعى ان نكون لبنة من لبناته. إننا نكون أشد ارتياحا عندما يقود النضال والحراك أفراد من عموم الشعب، فهذا يثلج صدورنا ولا يحرجنا، بل يشرفنا أن نسير وراء أبناء هذا الشعب.

وعليه فإننا نرفض المزايدات في المواقف، فالمطالب الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية، تتطلب الدعم الميداني، كما تتطلب الحفاظ على سلمية التظاهر. وهنا أشير أننا لسنا ملزمين بحمل شارات الجماعة حتى نؤكد حضورنا، أو ندل الناس علينا. ما يهمنا هو صدق المطلب ووضوح المقصد ومسؤولية أصحابه، حتى نكون أول من يدعمه فعلا لا دعاية.

نعود ثانية إلى صلب الإشكال المتمثل في غياب التصريحات الرسمية لقيادة العدل والإحسان. أحسب أن سوء التقاط الخطاب والمواقف الرسمية راجع وبكل بساطة الى الصورة النمطية والتمثلات الشخصية التي نحملها حول ما نعتبره تصريحا رسميا. وهنا أشير أن قنوات التواصل قد تغيرت وأن سرعة الأحداث ومنسوبها يرتفع ويطرد، ولم نعد أمام وسائل تواصل تقليدية ولم يعد المخاطب واحدا. لقد تعددت المنابر وتسارعت الأحداث، ولا يمكن البتة التعامل معها بحس تقليدي، بل لابد من آليات تواكب نمط وثقافة التواصل الجديدين.

وعليه تصبح تعليقات الشخصيات الرسمية والمنابر الرسمية والصفحات الرسمية، تعبيرا عن المواقف الرسمية،إلا إذا صدر ما يكذبها أو بنفيها أو يعتبرها مواقف تخص أصحابها. أما وأن التصريحات تقال وتكتب وتنشر على الموقع الرسمي ولا يعترض عليها، فمعناه أن الجماعة تتبناها جملة وتفصيلا.

كما ينبغي أيضا التنبيه إلى ضرورة تناسب الخطاب مع الأحداث، فما هو وطني يتطلب خطابا وطنيا، وما هو محلي يقتضي خطابا محليا، وما هو قطاعي يقتضي خطابا قطاعيا، وإلا ستصبح المواقف والتصريحات الرسمية مبتذلة ومستهلكة، فوحدهم عيساوة وحمادشة الذين كلما سمعوا طنين البندير قاموا ليتحيرون. أما السياسة فليست للحضرة والعمارة والحال، بل هي تقدير للمواقف، وحسن لتصريفها.

كما أنها تتطلب الروية وتقليب الرأي، وعدم التسرع وحساب العواقب،دون إغفال عامل الزمن الذي يكون دائما معطى حاسما.
وفي الأخير، أجدد اعتزازي بالانتماء لهذه الجماعة التربوية التى تحمل هم هذا الوطن بكل وضوح ومسؤولية،تروم تقويض أعمدة الإستبداد وتجفيف منابع الفساد التي تنبجس من صخرة المخزن الآيلة للانكسار والتفتت لا محالة كلما صمدنا وتوحدت جهودنا ورفضنا السيلان مع الفساد والاستبداد. وقديما سئل عنترة الذي كان ينتصر دائما في معركة عض الأصابع، ألا يؤلمك عض خصومك؟ فأجاب: إني لآلم مثلهم ولا ينصرني عليهم سوى لحظة الصبر التي يستسلمون فيها.

“وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم”. صدق الله العظيم.