منتدى العمق

الجريمة والعقاب

في علم السلوك التنظيمي الذي يهتم بدراسة السلوك البشري كفرد ضمن منظمة، هناك نظرة التعزيز والتي يعتمد عليها داخل المؤسسات التعليمية منها وحتى في القطاع الخاص. هذه النظرية تعتمد على تعزيزات إيجابية وتعزيزات سلبية من أجل التأثير على سلوك الفرد. إذا كان سلوك الفرد شيئ ايجابي يجب تشجيعه عن طريق التعزيزات الإيجابية حتى يستمر هذا الشخص بتكرار نفس السلوك. أما إذا كان السلوك يؤثر سلبا على مجرى العمل فيجب استعمال التعزيز السلبي أو العقاب للحد من هذا السلوك أو على الأقل التقليل منه. ويجب على التعزيز أن يكون على مستوى السلوك لإحداث التغيير في تصرفات الفرد.

هذا الأسلوب من التعامل مع الموظفين في الدولة والوزراء قد يفقد الثقة في المؤسسات ويفهم المواطن أن الجميع سواسية أمام القانون لن يكون هناك تسامح مع من يقصر في واجبه، لأن الثقة هي أساس أي إقلاع اقتصادي. كمان علاقة المواطن بالمؤسسات وثقته بها هي القاعدة الأساسية لأي تماسك اجتماعي وأي مس بهذه الثقة تجعل المواطنين يشككون في جدوى القوانين وتتحول هذه المؤسسات إلى أعداء. لا يمكن أن ننتظر من المواطن أن يحترم القوانين التي تتعامل بازدواجية بين طبقات المجتمع. هذا هو سبب الرئيسي والإحساس بالظلم. في هذه الحالة يكون ردة فعل المواطن التمرد والسخط على السياسيين وعلى المسار السياسي ككل.

بالنسبة للنظام الاقتصادي كذلك، الثقة المتبادلة بين المتعاملين وثقة الكل في المؤسسات تجعل عملية التبادل التجاري أقل تكلفة. خذ على سبيل المثال عندما تقوم بزيارة الطبيب ويقدم لك وصفة دواء فأنت تثق في فما قدمه لك من دواء لا تشك في نواياه فهو ادرى. هذه الثقة تجعلك تأخذ الدواء دون تردد أو قيام بالبحث عن مكونات الدواء. نفس الشئ بالنسبة لأي نظام سياسي أو اقتصادي لذا فغياب الثقة عملية التبادل جد مكلف. ويتجلى ذلك من خلال الصورة النمطية التي لدى المواطن حول جودة المواد المنتجة محليا. غالبا ما يفضل المستهلك المنتجات الأوروبية مقارنة مع تلك التي صنعت محليا ويمكن القول نفس الشيء حتى عن الأطباء والمهندسين والمهن الأخرى.

أي أزمة اقتصادية عرفها العالم بدأت بفقدان المواطن الثقة في فعالية القوانين المنظمة للمؤسسات خاصة المالية ويصبح المواطن يتردد في أي قرار يأخذه وتزداد الأمور سوءً يوما بعد يوم ويصبح الأمر أشبه بكرة الثلج المتدرجة (بالإنجليزية: snowball effect). المشكل يبدأ صغير إذا لم يتعامل معه بحزم، يبني نفسه ليصبح أكبر (أكثر خطورة وأكثر جدية) حتى يصل إلى درجة كارثية. انظر مثلا كرة صغيرة من الثلج بدأت تتدحرج من أعلى قمة ثلجيه فإنها فإنها تلتقط مزيدا من الثلج و تزداد حجما كلما اقتربت الى الأسفل.

لذا أغلب المشاكل تبدأ صغيرة الحجم يمكن حلها بسهولة في البداية، لكن إذا تم تجاهله أملا أن تختفي أو أن تعود الأمور إلى حالتها الأصلية هنا يبدأ تأثير الكرة الثلجية وتخرج الأمور عن السيطرة ويتضخم الحدث ويصبح ثمن الحل أضعافا مضاعفة.

هذا التقديم المبتغى منه أن نفهم هل إعفاء الوزراء من العطلة الصيفية لعدم أداء مهامهم والتقصير في الواجب الوطني هل هذا العقاب تعزيز يكفي لإجبار الوزراء من تغيير سلوكياتهم وأن يكونوا عبرة في المستقبل لمن تخول له نفسه أن يخالف الأوامر الملكية. اقل ما يمكن أن يفعل من كسر الكؤوس يجب أن يدفع ثمنها. يا ليتني أتلقى العقوبة من هذا النوع عندما لا أقوم بواجبي.

إذا كان من يسرق اموال الشعب يخرج من السجن ولا يتعرض لمحاسبة، قاضي مرتشي ويخلى سبيله وطبيب لا يؤدي واجبه ولا يعفى، معلم يتغيب مرارا عن التدريس ولا يوبخ. متى سيحسّ المواطن أن عصى القانون فوق الجميع. وكما يقول المثل: “من يتردد في إنزال العقاب يضاعف عدد الأشرار”.