منتدى العمق

بريطانيا العظمى تقدم دروسا للمغرب (الحصة 1)

23 يونيو 2016، استفتاء شعبي يقرر بموجبه المواطنون خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. 11 يوليو تعيين “تيريزا ماي” رئيسة لحزب المحافظين بعد استقالة ديفيد كامرون. يومان بعد ذلك تترأس السيدة الحديدية رئاسة وزراء خامس أقوى اقتصاد في العالم.

15 يوما كانت كفيلة بإعادة كتابة التاريخ أمة تقدر آراء مواطنيها و تقيسها بميزان من ذهب.

في بلد الاستثناء، نرى وطنا، لا يساهم اقتصاده في تجارة العالم سوى ب 0,11 في المائة، يخصي إرادة شعبه، و يعطل خروج حكومة ذات شرعية، حتى يهيئ الوضع و يقسم “الوزيعة” في ستة أشهر، فيصعد بالمحظوظين وينكل بالمغضوب عليهم.

أما عن الاستفتاءات، فدخول الوطن أو خروجه من تجمع أو التحاقه باتفاقية أمور كبيرة لا يفقه فيها شعب ” فاقد للأهلية”، غير ناضج إلا لوضع عبارة “نعم” داخل صندوق شفاف غير نزيه، تزيينا للصورة أمام العالم و تجاوزا لمأزق الربيع. فرق كبير يا عمري !

بعد قرار الشعب، و استشارة القضاء و أخد إذن البرلمان للخروج من التكتل الأوروبي و ضمان لمواقف وساءل إعلام عريقة، السيدة “تيريزا ماي” تستشعر معارضة من داخل حزبها المحافظ لطريقة الخروج، كما تلاحظ محاولة لإفراغ البريكسيت من مضمونه من طرف حزبي العمال و الاسكتلندي ، فما كان من السيدة ذات الستين سنة إلا أن استنجدت بالشعب و طالبت بإجراء انتخابات مبكرة عن موعدها بأربع سنوات.

انتخابات تؤخذ منها شرعية القرار و صلابة الموقف من صاحب السلطة: الشعب.

في الجهة المقابلة، هنالك من يفرغ إرادة الشعب من محتواها، لأن شرعية الصندوق تعتبر منافسا لدولة عميقة تحتكر دور البطولة، و تكره مصطلح “الرجل الثاني”. أما عن دور المؤسسات فيبقى في أحسن أحواله مبهما ببرلمان لا يتحرك إلا بالتعليمات الفوقية، حريص على بريماته و أيفوناته و امتيازاته أكثر من حرصه على مصالح من يدفع رواتب ” لقالقه”. و سلطة قضائية لا يعرف أحد عن من أو عن ماذا هي مستقلة بالضبط؟ و إعلام يسحر أعين مشاهديه بسفاسف الأمور كما كان يفعل هامان و سحرة فرعون.

سيدة عصامية تقود دفة بريطانيا العظمى في أحلك فتراتها. ابنة مواطنين بسطاء تلقت تعليمها في مدارس شعبية خاصة، قبل أن تلتحق بثانوية للكنيسة و تختار دراسة الجغرافيا في جامعة أكسفورد. فقدت والديها سنة واحد و ثمانين، أم بمرض و أب بحادثة سير، فكونت شخصية صلبة واثقة من نفسها، واقعية في قرارات حياتها، مالكة لزمام أمورها.

توجه سياسي منذ 1987 على المستوى المحلي، و حضور في المجالس الجهوية و الوطنية منذ سنة 1997. زواج في سن الخامسة و العشرين بالسيد فيليب ماي، زميلها في مقاعد أكسفورد دون أن يرزق الزوجان بأبناء، تماما كما حال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. هي حالة العظماء كما الأنبياء، إرثهم انجازات و علوم و ازدهار يكتبه التاريخ بمداد من ذهب.

2002 تتقلد السيدة “ماي” منصب رئيسة حزب المحافظين بعد كفاح و نضال على ساحة السياسة، و تحتفظ بمواقفها المساندة لكل ما هو وطني طيلة الخمسة عشر سنة التي حكم فيها حزب العمال المنافس، وحتى بعد أن تقلدت السلطة. السياسة مواقف و ليونة مقبولة ، و ليست حربائية و رقص على كل الأنغام.

2010، المرأة الحديدية تقف إلى جانب ديفيد كامرون ليتقلد رئاسة حزب المحافظين و معها رئاسة وزراء المملكة المتحدة بكل هدوء و سلاسة، لتعين وزيرة للداخلية حتى سنة 2016، في فترة هي الأطول في البلاد منذ زهاء الستين سنة. الوزيرة أعادت تنظيم الشرطة و شددت من إجراءات الهجرة حماية لمصالح وطنها العزيز.

مسار سياسي واضح بنت فيه المرأة نفسها من الصفر، لتعتلي مراتب استحقتها عن جدارة، و تقارع كبار العالم بكل فخر و مشروعية: ترامب، ميركل و بوتين.

ماذا عن أجمل بلدان العالم؟

سياسيون يهبطون بالمظلات على رئاسة أحزاب لم يتبقى من رصيدها لدا الناس سوى الاسم.

حسابات بنكية تنتفخ بين ليلة و ضحاها، لزعماء أحزاب و نقابات كذبت و ادعت تمثيل الشعب و العمال الكادحين. أرقام بنوك محفوظة بعناية و تحت أعين لا تنام، فتخرج للعلن كلما خرج أصحابها عن قواعد اللعب.

مليارديرات ورثوا الريع عن الآباء يوم كانت الدولة توزع إرث المستعمر من ضيعات خمر و شركات غاز، لا رصيد لهم في السياسة سوى زواج مقيت بين المال و السلطة بما يذكر بتحالف فرعون و قارون قبل آلاف السنين.

أبناء يرثون مناصب آباءهم، بل و يتاجرون في الأبيض و البني تحت مظلة الأب الحنون الذي يعرف كيف يحرك هاتفه، و كيف يقايض حريته فلذات أكباده بمواقف سياسية مدفوعة على شاكلة خطوط الهاتف مسبقة الدفع.

تلون في السياسة كالحرباء بدعوى الواقعية، و بيع و شراء للمواقف حسب الطلب و بالمقابل. المحافظ يغدوا حداثيا، و التقدمي يدافع عن الثوابت، و من لا هوية له يمسك العصا من الوسط، فهو حام للأصالة متطلع للمعاصرة.

تنازع على المناصب في النقابات و الأحزاب، مرة تحت وصايا التعليمات السيادية ( الأيادي الإلهية) و تارة تحت أنظار الإعلام، حيث ينشر الغسيل المتسخ للخصوم، و تقتحم النقابات و تقفل أبواب الأحزاب بأساليب العصابات.

وزارة للداخلية تلتزم حيادا سلبيا ( عين ميكة)، تضع ما تيسر من حجارة تحت عجلة ممثلي الشعب حينا، و تقطر الشمع على سياسيين حينا آخر. أما شؤون الهجرة فهي اختصاص حصري للجهات السيادية، لا يقترب منها إلا بعد نزول الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.

نهاية الجزء الأول.