طارق يطرح 3 أسئلة جوهرية حول حراك الريف .. ماهي؟

طرح المحلل السياسي حسن طارق على صفحته بموقع “فيسبوك” ثلاثة أسئلة جوهرية حول حراك الريف تلخص مشكل الاحتجاجات بالحسيمة والحلول الممكنة من أجل حل المشكل، وجاءت هذه الأسئلة كالآتي.
السؤال الأول : هل مشكلة الاحتجاجات ستعرف حلا إذا ذهب التحقيق إلى مداه في برنامج منارة المتوسط؟
إن سؤال المنطلق هنا، هو التالي هل انطلقت الاحتجاجات بسبب ارتباك تنزيل هذه البرامج؟ أم أن الأمور أكثر تعقدا؟
إذا كنا نعرف السبب المباشر للاحتجاج الاجتماعي (الوفاة الأليمة للشاب محسن فكري)، فإن دينامية الوقائع واستمرار الظاهرة الاحتجاجية ارتبطت بمجموع عوامل متداخلة (ذاكرة المدينة ورمزيتها /سوء الفهم التاريخي مع السلطة المركزية/قيادة الاحتجاج /قوة خطاب و”إيديولوجية” الاحتجاج التي استثمرت المشترك الرمزي والهوياتي والثقافي لصياغة موقف مناهض للسياسات وللسلطة).
ولاشك أنه وقعت تحولات في هوية “الحراك” ولغته ومواقفه، تبعا لسلوك الدولة والنخب وتبعا كذلك لتفاعل المواطنين.
لذلك أتصور أن تصحيح اختلالات هذا البرنامج الحكومي لم يعد “هنا والآن”، إذا كان يمكنه أن يكون مدخلا من مداخل حلحلة الأزمة إلى جانب مداخل أخرى ليس أقلها هو إطلاق سراح المعتقلين وتفعيل تدابير إعادة الثقة، فإنه بالتأكيد لم يعد بإمكانه أن يشكل كل الجواب على ما يطرحه الإحتجاج.
إذ أن المطالب لم تعد مطالب سياسات بل أصبحت مطالب “كرامة “، وهو ما يعني أن الجواب يجب أن يكون سياسيا وحقوقيا بالأساس.
تفعيل المسؤولية الحكومية تجاه تعثر برنامج منارة المتوسط، يحمل كذلك مخاطر إدراج هذه المقاربة في استمرارية زمن “البلوكاج” واستمرار الصراع ضد بنكيران وحلفائه (التقدم والاشتراكية) بأثر رجعي!.
السؤال الثاني: ما هي القراءات الدستورية لما يقع؟
نعم في العمق، فإن ما يقع يعيد طرح مسألة توزيع الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، خاصة مع غياب رئيس الحكومة عن المشهد العام لهذا الحدث، وهنا يمكن أن نطرح بعجالة ثلاث ملاحظات أساسية، وخلاصة سريعة:
أولا، حاول دستور 2011، تجاوز لحظة الملكية التنفيذية دون أن يصل بالطبع إلى الملكية البرلمانية، لذلك، لدينا نظام سياسي مبني على ثنائية السلطة التنفيذية، ثنائية لا تحيل على توازن الصلاحيات، إذ تظل العلاقة محكومة بالتراتبية بين رئيس الدولة والحكومة، وإذا كانت الأمور واضحة فيما يتعلق بالصلاحيات الحصرية للحكومة، وبالمجال المحجوز للملك، فإن الالتباس يلف طبيعة توزيع الصلاحيات المشتركة، خاصة مع «مطاطية» مفهوم السياسة العامة للدولة، وغموض مؤشرات التمييز بين المجال الحكومي للسياسات العمومية، والمجال الملكي للإشراف الاستراتيجي.
ثانيا، في هذه الحالة يتعلق الأمر بمشروع حكومي برعاية ملكية، وبالرغم من أهمية ومضمون هذا البرنامج التنموي الموقع في أكتوبر 2015، فإن الأمر لا يتعلق في النهاية بمشروع استراتيجي، وهو ما كان يستوجب بالنظر إلى امتداداته الترابية وطبيعته الأفقية، وتعدد المتدخلين: (قطاعات حكومية، جماعات محلية، ..) أن يكون ملفاً من الملفات التي يشرف عليها رئيس الحكومة.
ثالثا، إن هذه الغضبة الملكية، كما يُمْكِنُ أن تقرأ كنقطة نظام من رئيس الدولة على ارتباك في تدبير حكومي لسياسة عمومية مندمجة بآثار اجتماعية واقتصادية مهمة، يمكن، كذلك، أن تقرأ كواحدة من الإمكانيات التي تتوفر عليها المؤسسة الملكية تجاه بعض الفراغات المرصودة في هندسة وحكامة وتأطير السياسات في المستويات الحكومية، والتي تستطيع معها ممارسة نوع من «الحُلُول» في علاقة مع القيادة التنفيذية للحكومة.
وفي جميع الحالات فإنه يجب القول إننا عمليا من خلال الممارسة لازلنا لم نتجاوز لحظة الملكية التنفيذية بغض النظر عن تقدم النص.
السؤال الثالث: ما ذا يطرح برنامج منارة المتوسط من قضايا على مستوى تحقيق الأثر الاقتصادي والاجتماعي؟
إذا كانت هذه البرامج تطرح أسئلة دستورية وسياسية، حول اختيار العودة إلى الملكية التنفيذية، وحول مخاطر ربط شرعية المؤسسة الملكية بالإنجاز، وحول تصاعد عقيدة المساءلة لدى جيل ما بعد 20فبراير.
وحول علاقة مثل هذه البرامج بالقانون المالي وبالمسؤولية السياسية أمام مجلس النواب، على ضوء ما يقع في لحظة لاحقة عن المراقبة البرلمانية من إعادة تركيب وصياغة للمالية العمومية ولوجهة إنفاقها.
فإنها تطرح كذلك أسئلة لها علاقة بحكامة السياسات العمومية الأفقية ذات الوقع الترابي.
من ذلك مثلا:
سؤال شرعية إشراك المواطنين والمنتخبين في صياغة هذه البرامج على المستوى المحلي و الجهوي؟
سؤال إلتقائية عدد كبير من الفاعلين والمتدخلين في “التركيب “المالي وفي هندسة هذه البرامج(قطاعات حكومية/ جماعات محلية /مؤسسات عمومية/وكالات للتنمية…) وهو ما يطرح مسألة قيادة المشروع ودور وزارة الداخلية في ذلك.
سؤال تتبع وتقييم هذه المشاريع، خاصة أن جزء من تمويلها يرتبط بمساطر متفاوتة في الطبيعة وفي الزمن (ما وقع مثلا في جهة كلميم حيث إن التوقيع على البرنامج كان سابقا على قرار المجلس الجهوي والذي تعذر إصداره في نهاية المطاف).
أعتقد أن حالة منارة الحسيمة هي نموذج مدرسي لعدد كبير من هذه المشاريع الخاصة، وهو لا يحتاج فقط إلى تحقيق للوقوف على مسؤوليات هذا الوزير أو ذاك، ولكن إلى تقييم شامل لحكامة هذا النموذج التدبيري وإلى اختلالاته العميقة.