وجهة نظر

المغرب والرهانات الجديدة داخل أروقة منظمة الاتحاد الأفريقي

على الرغم من طبيعة القرار المفاجئ، بعودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، بالنظر إلى غياب أي نوع من النقاش العمومي والسياسي، حول الموضوع، وما صاحبه من جدل واسع، حول إشكالية مصادقة البرلمان على القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، وما قد يؤدي إلى السقوط في اعتراف غير مباشر بجبهة البوليساريو، إلا أن تعاظم وتزايد اهتمام المجتمع الدولي بالقارة الأفريقية، كقارة للمستقبل، ربما دفع المغرب إلى هذه الخطوة، للخروج من العزلة، وإحداث القطيعة مع سياسة الكرسي الفارغ.

إذا كانت هذه الخطوة جد مهمة، فإن كيفية التعاطي مع الملفات والقضايا التي تهم المغرب في علاقته مع دول الأعضاء في منظمة الاتحاد الأفريقي، هي بمثابة تحد حقيقي للدبلوماسية المغربية، التي غيرت قيادتها، بقيادة جديدة، كتعبير عن رغبتها في تجديد دمائها، وإعطاء الفرصة لشخصيات تقنوقراطية متخصصة في المجال، أكثر منها حزبية سياسية.

بمجرد عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، يكون المغرب قبل بخيار مواجهة جبهة البوليساريو، نظرا لكونها عضو في المنظمة، وهي مواجهة يمكن اعتبارها تحصيل حاصل، مادام أن المغرب سبق له الجلوس مع الجبهة في مفاوضات مانهاست سنة 2007 في الولايات المتحدة الأمريكية برعاية من منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي فإن الصراع سيتحول هذه المرة، من أروقة هذه الأخيرة إلى منظمة الاتحاد الأفريقي.
أن تكون عضوا مؤثرا في المجتمع الدولي وفي قارتك، يعني أن يكون لك وزن اقتصادي وسياسي وثقافي كبير، وهذا ما يجب على المغرب الرهان عليه، لكسب حلفاء أكثر ودفع الموالين لجبهة البوليساريو، إلى التخلي عن دعمها، ودعم مصالحهم أكثر من أي شيء آخر.

خلال مجريات الدورة 29 الأخيرة لمنظمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، حاولت جبهة البوليساريو بمساعدة حلفائها، بالضغط على المغرب، ودفع اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إلى استصدار توصية بإيفاد بعثة لتقييم حقوق الإنسان بالصحراء المغربية.

هذه الخطوة الاستفزازية، عارضها المغرب بشدة، لكنها تكشف عن صعوبة المواجهة داخل منظمة الاتحاد الأفريقي من جهة، وتبرز من جهة أخرى، حجم الألغام المفخخة التي تزرع في طريق الدبلوماسية المغربية، فمسألة اللعب على وثر حقوق الإنسان، ليست بمعطى جديد، فقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية في وقت من الأوقات، فرض نفس الخطوة على المغرب، لكنها واجهت معارضة شديدة.

من الواضح، أن المغرب تلقى في بداية عودته إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، هجوما من طرف خصومه، وهو يحاول لعب دور المدافع عن حقوقه، وهي إستراتيجية تبدو مكلفة، وتحتاج إلى مراجعة حقيقية، للتحول إلى دور المهاجم بدل المدافع.

قد تعتبر جبهة البوليساريو مواجهتها للمغرب ندا للند داخل جلسات المنظمة، بمثابة نصر دبلوماسي كبير، ومكسب في طريق الاعتراف بوجودها كطرف مباشر في النزاع.
في السياق ذاته، المغرب مطالب بالاستعداد جيدا لمحطات أخرى أكثر صعوبة، ستلعب علي حبالها جبهة البوليساريو، وهي الحرب الاقتصادية، من خلال إخراج نفس الورقة التي وظفتها ضد المغرب أمام الاتحاد الأوروبي، وهي منع تصدير المنتجات المعدنية والفلاحية بتراب الصحراء المغربية إلى الخارج، وقد بدأت بوادرها في الظهور، من خلال حجز دولة جنوب أفريقيا المناصرة لجبهة البوليساريو، لسفينة مغربية محملة بالفوسفاط، وهو أمر مقلق إذا ما أقدمت مجموعة امن الدول الأفريقية المؤيدة للجبهة على نفس الخطوة.

عندما نتحدث عن منظمة الاتحاد الأفريقي، فإننا نتحدث عن دور هياكلها الإدارية والتنظيمية، التي تعتبر أجهزة جد مؤثرة، وتساهم بشكل حاسم في صنع قراراتها، من قبيل هيئاته السياسية، كالبرلمان الأفريقي و الجمعية العامة للاتحاد الأفريقي و مفوضية الاتحاد الأفريقي، المجلس التنفيذي، وهيئاتها القضائية، كمحكمة العدل الأفريقية، والمفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والمفوضية الأفريقية للقانون الدولي، إضافة إلى هيئاتها الاقتصادية والمالية، كالبنك المركزي الأفريقي والبنك الأفريقي للاستثمار وصندوق النقد الأفريقي، فضلا عن باقي الهيئات الأخرى.

إنه تحد إداري تنظيمي، المغرب مطالب باستدراك غيابه الطويل عن المنظمة، من أجل ضمان تمثيلية فاعلة ومؤثرة في تلك الأجهزة،وهنا تبقى الحاجة ملحة، لتكوين وإعداد كفاءات دبلوماسية ذات كفاءة عالية، لها القدرة على فرض آرائها ومصالحها على باقي الأعضاء، بخطاب موجه إلى شرائح سكان أفريقيا الفرنكفونيين والأنجلوساكسونيين.
من جهة أخرى، هناك تحد إعلامي، من طرف إعلامنا العمومي، من أجل تغطية مجريات أشغال وجلسات منظمة الاتحاد الأفريقي، التي تبقى جد مغيبة بشكل كامل، حتى يتسنى للمواطن معرفة مستوى عمل دبلوماسيته، والتعرف على خصومه من الدول الأفريقية المعادية لمصالحه.

المغرب بدوره لديه أوراق مهمة، يجب أن يستغلها في صالحه في تعامله مع منظمة الاتحاد الأفريقي، فهناك ملف الهجرة، حيث يبقى من الدول المتضررة، والتي تعرف تقاطرا مستمرا من مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء على ترابه، وبالتالي فصبره لن يستمر إلى الأبد، ومن المفروض أن تشارك دول منظمة الاتحاد الأفريقي، في إيجاد الحلول المناسبة، من خلال دعم الأمن والحراسة على حدود دول أعضائها، وكذا الضغط على دول الشمال الغنية، من أجل تقديم المساعدات.

إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ذاقت ذرعا من تكلفة تحمل تدخلاتها العسكرية في بعض الدول الأفريقية في مواجهة الإرهاب، وقامت بالضغط مؤخرا على دول الساحل الأفريقي (مالي ، بوركينافاسو، موريتانيا، تشاد، النيجر) ودعمها ماليا، من أجل إنشاء قوة عسكرية خاصة، تتكفل بمحاربة الجماعات الإرهابية المسلحة، فإنه درس يجب أن يستفيد منه المغرب، ويطالب بمساعدته مع باقي الدول الأفريقية المجاورة في صد تدفقات المهاجرين المتوجهين صوب أوروبا، أو على الأقل العمل على تحقيق بعض المكاسب لمواطنيه، كما فعلت تركيا من خلال إجبار أوروبا على إلغاء التأشيرة على مواطنيه في مقابل الحد من عبور المهاجرين.