منتدى العمق

كيف تدخل قراصنة بوتين في انتخابات أمريكا؟

تعطيل مفاعلات إيران النووية لأزيد من سنتين و تأخير برنامجها النووي، مهاجمة و تعطيل الشبكات في دولة إستونيا، التدخل في رئاسيات الولايات المتحدة، مهاجمة شركات و مصارف و مستشفيات و “احتجاز” معلومات و بيانات حساسة مقابل فدية، تعطيل إطلاق صاروخ باليستي لكوريا الشمالية، اختراق وكالة أنباء قطر و إحراجها أمام حلفائها الخليجيين….. مظاهر لحرب المستقبل، حرب الانترنيت و الشبكات التي يبدو أن الروس قد فهموا أهميتها فاعدوا لها ما استطاعوا من تكنولوجية و عقول ليرهبوا و يزلزلوا أعداءهم.

لقلة الحواسيب و بطئها، تدرب رجال هيأة “الاستخبارات ذات المصدر الكهرومغناطيسي” في العهد السوفيتي، على كتابة البرامج و اللوغاريتمات باليد، و اختصارها ما أمكن حتى يتم إدخالها بشكل سريع و فعال إلى الحواسيب. الخبرة و الحنكة، نقلها الجيل القديم لجيل روسيا الجديدة من رجال الإنترنيت و قراصنة القيصر فلاديمير بوتين.
تتوفر روسيا اليوم على وكالة فيدرالية متخصصة في الاستعلامات الرقمية و الإلكترونية، بإستراتيجية دفاعية و هجومية متكاملة تختص بكل ما يتعلق بالتواصل و جمع المعلومات، مرتبطة بمؤسسة الدفاع الفيدرالية FSO، التي تقع تحت الإشراف المباشرة لمكتب الرئاسة.

مؤسسة Spetssviaz تقدم مصادرها و معلوماتها لجهتين استخباراتي تين هما: SVR الاستخبارات العسكرية و FSB وريث جهاز الاستخبارات السرية السوفيتي الكي جي بي. الجهاز الأخير متخصص بالإنترنيت و الاستعلامات و النظم الإختراقية.
مؤسسة الدفاع الفيدرالية تركز أنشطتها على تكنولوجية المعلومات و التواصل، و تخرج تلاميذ ضباطا برتبة مهندس في نظم التواصل و الكمبيوتر.

الرئيس بوتين، و منذ الأيام الأولى من توليه الحكم في7 يناير 2000، وضع قانون مكتب SORM المتخصص بالأنشطة الاستقصائية و الميدانية. و هو نظام لمراقبة الأنشطة الإلكترونية والشبكية، ينافس المكتب الأمريكي لحماية الأنظمة PRISM.

SORM واحدة من أذرع إستراتيجية الإنترنيت الروسية الني أرسى دعائمها القيصر بوتين، حيث تجمع المعلومات في مجمع مركزي و تحول إلى وحدة تصنت و تخزين خاصة داخل روسيا.

تم إنتاج برامج معلوماتية باسم SORM تثبت على أي جهاز محمول أو طاب ليت، تمكن من إرسال أو استقبال المعلومات بشكل فوري من و إلى مكاتب المخابرات الروسية و أفرعها المعلوماتية بكل سرية و أمان، بفضل دعامات طورتها وزارة الدفاع الروسية. دعامات عبارة عن أجهزة إلكترونية تحمي البيانات من أي اختراق خارجي، مثل هاتف Ancort A-7 الذكي المشفر و المضاد للاختراق. يتم توزيع هذه الأجهزة على العملاء سواء الرسميين، أو المواطنين المتعاونين المعروفين بالقراصنة الوطنيين.

إستراتيجية الإنترنيت التي تسلكها روسيا بنيت على تطوير شبكة من مواقع التواصل الاجتماعي الموازية، فيما بات يشبه إنترنيت بديلة للانترنيت المعروفة و التي تتحكم بها الولايات المتحدة، قصد حماية البيانات الوطنية.
أنشأت روسيا موقع Vkontakte محل فايسبوك و Yendex كمنافس لغوغل، و Rutube كبديل ليوتيوب و Telegram محل واتساب.

موقع التواصل الاجتماعي “في كونتيكت” يدار من مقربين من الرئيس بوتين، و يستهدف تجنيد الشباب الروس المتميزين و المتمرسين في نظم المعلوميات لصالح المخابرات الروسية.

“الهاكر” القراصنة الروس لهم هوية أقل وضوحا و لا يحملون أية صفة رسمية، يكملون عمل أجهزة الاستخبارات الروسية في إطار إستراتيجية الانترنيت Cyber stratégie.
الهجمات الالكترونية التي استهدفت مؤسسات إستونيا سنة 2007 مثلت برهانا على قدرة القراصنة الروس على الفعل و الحركة. بتقنية توجيه كل حواسيب العالم صوب حواسيب دولة إستونيا، نجح القراصنة الروس في تعطيل مؤسسات حكومية و بنكية لعدة ساعات في الدولة الصغيرة، و امتد الخلل ليصل أرقام الطوارئ. الهجوم آنذاك كان ردا على هدم السلطات الإستونية تمثالا يرجع للحقبة الستالينية.

روسيا نفت أي مسؤولية عن الحادث، غير أن تحقيقات دولية قادة للكشف عن الواقف وراء الهجوم: “فلاديسلاف شوركوف”، زعيم مجموعة قراصنة روس وطنيين أنشأت سنة 2005 تحت اسم ” ملكنا”. الشاب ظهر فيما بعد أنه من المقربين من الرئيس بوتين.
ما يضفي على عمليات القرصنة الروسية سمة الخطورة هو انعدام الطابع الرسمي. ما يجعلها أولا و أخيرا أعمال فردية لمواطنين وطنيين “مارقين”.
الهجوم الذي استهدف لجنة الحزب الوطني الديمقراطي الأمريكي سنة 2016 قبيل الانتخابات بأشهر وقفت خلفه مجموعتين من القراصنة الروس: Fancy Bear وCozy Bear. المجموعة الثانية اخترقت حواسيب الحزب الديمقراطي قبل أسابيع من الهجوم، بينما الأولى ركبت فيروساتها قبل سنة داخل خوادم الحزب، فيما يشبه كمون الفيروسات في الجسم قبل ظهور الأعراض.

المجموعتين استعملتا نفس كلمات السر دون أن يكشف نظام حماية موقع الحزب الديمقراطي اختراق الحواسيب بالتوازي من المجموعتين.

20.000 رسالة إلكترونية سرقت و سربت لموقع ويكيليكس، منها رسائل بريد إلكتروني لهيلاري كلينتون تظهر من كانت تطمح لتكون رئيسة البلاد، بمظهر السياسية الباردة المنافقة و الخاضعة لأوامر وال ستريت. سربت رسائل أظهرت استعمال كلينتون بريدها الخاص في المراسلات الرسمية، و تقاعسها في مهامها كوزيرة للخارجية سنة 2012، ما قد يكون أسهم أو سهل في مقتل السفير الأمريكي في بنغازي الليبية. تسريبات أثرت على صورة المرأة لدا فئة كبيرة من مسانديها، خصوصا المترددين منهم، ما خدم أجندة المرشح الجمهوري المنافس دونالد ترامب.
Cozy bear مجموعة شبه مستقلة، بينما Fancy Bear مرتبطة مباشرة بالمخابرات الروسية.

أساس عمل مجموعة Fancy Bear يقوم على الدخول لمنظومة حواسيب و إصلاح خلل أو مجموعة أخطاء في المنظومة المستهدفة، و استغلال تلك الشفرات المصححة للسيطرة و التحكم و مراقبة الحاسوب عن بعد. هذا النوع من القرصنة يتطلب منظومة جد متطورة لا يمكن إلا لدولة أن توفرها.
المجموعة Fancy Bear سبق أن تورطت في هجمات على البرلمان الألماني و قناة TV5 الفرنسية.

القراصنة الذين يخدمون مصالح موسكو العليا ليسو مرتبطين بشكل رسمي أو مباشر بالدولة الروسية . حدود يصعب رسمها بين العميل المجند في المخابرات، و القرصان الوطني المتعاون و الخدوم لمصلحة بلده. الوطنية هي القاسم المشترك بين القراصنة الرسمين المجندين في المخابرات و العملاء المتعاونين معهم من خارج الأجهزة الرسمية للدولة. الوطنية مؤشر غير محسوس لا يعتبر دليلا لإدانة دولة بجريمة بحجم قرصنة مواقع دول أخرى.

بحث على أعلا مستوى، مجهودات في التكوين و انخراط للعملاء المدنيين، أمور تخلط الأوراق و تصعب على أي دولة إثبات أو إدانة روسيا في أي هجوم الكتروني يستهدفها.
روسيا هيأت نفسها جيدا لحروب المستقبل: حروب الانترنيت و الشبكات.