منتدى العمق

الجوكر

ورقة تقوم مقام أيَّة ورقة أخرى في ورق اللَّعِب. تعريف الجوكر في قاموس اللغة، و وصف يليق بالسياسي المخضرم حميد شَباط عن جدارة و استحقاق. تراه معارضا ثم مؤيدا، ثائرا ثم خانعا، رأس حربة ثم جالسا على كرسي الاحتياط.

المغاربة لم يشهدوا للنقابي و الميكانيكي السابق تأثيرا يُلحظ في حياتهم السياسية قبل 2012، حين كان الرجل منهمكا في صياغة زعامته الكاريزمية و أحلامه الوردية وراء الجدران القديمة لمدينة فاس. مدينة يجلس خيرة شبابها على كراسي المقاهي بلا عمل و لا أمل، بينما يُصر عمدتها شباط على تشييد بحر صناعي على غرار مراكش، و بناء بُرج إيفل كرتوني مشابها لبرج باريس. الداخلية تركت الطفل يمرح بلعبته أياما قبل أن تأمره بإزالة البُرج المطل على إقامة الملك.

العمدة و البرلماني والنقابي حميد لم يبرز على الساحة كلاعب أساسي سوى في ربيع المغاربة و حراكهم الأول في الألفية الثالثة، حين سيّر تظاهرات مضادة باسم حب الملك. تظاهرات كانت تخلق زخما موازي لتحركات شباب عشرين فبراير، و أحيانا كثيرة كان أعضائها يتهجمون على من يصفونهم بالخونة و الساعين وراء الفتنة.

الزعيم النقابي سيتقمص دور المهاجم صاحب الرقم عشرة على بعد أيام من مؤتمر حزب الاستقلال في يوليو من العام 2012. تلقى منافس شباط على رئاسة الحزب عبد الواحد الفاسي كلمات من الوزير محمد الوفا تُخبره بعدم رغبة الجهات السيادية في استمرار حزب الاستقلال بين أيادي آل الفاسي، باعتباره حزبا لكل المغاربة.
أياما قليلة و تتوالى رنات الهاتف مخبرة السيد الفاسي بتغيير ولاءات و نوايا تصويت كبار رجالات الحزب. حميد شباط وصف رنات الهواتف و تعليمات تغيير الو لاءات بالأيادي الإلهية التي حملته لزعامة حزب الاستقلال!

بعد ذلك وجه حميد شباط نيران مدفعيته صوب حكومة بنكيران التي اعتبرها “داعشية” و متعاونة مع الموساد الإسرائيلي في شخص رئيسها، الذي تبادل معه في أكثر من مناسبة السّباب داخل قبة البرلمان و خارجها. سلطات القضاء اكتفت بالفرجة، كسائر المغاربة، على نواب الأُمة و وزرائها و هم يتبادلون تُهم “الداعشية” و التخابر مع دول أجنبية و تجارة المخدرات، معتبرة أن الأمر يدخل في حصانة الرأي التي يكفلها دستور الأمة لممثليها.

الرأي العام المغربي لم ينسى خروج نوفل شباط ابن الزعيم، من تُهم الاتجار بالمخدرات الصلبة الكوكايين كا”لشعرة من العجين” بعد حكم ابتدائي بثلاث سنوات نافذة، عقب تمركز الأب في خندق المواجهة ضد أول حكومة منتخبة في تاريخ المغرب.
الثائر حميد وجه ملتمسا للملك بخوص انسحابه من الحكومة، قبل أن يُنفّذ الوعيد في يوليو 2013 و يترك أول تجربة ديمقراطية في المغرب على كف عفريت.
جهات السيادة تدخلت “فَضلاً” فيسّرت دخول حزب الحمامة (التجمع الوطني للأحرار) بزاعمة الخصم اللدود لبنكيران، صلاح الدين مزوار، الذي كنّ له العداء السياسي و وصفه رئيس حزب العدالة و التنمية بالمهزوز سياسيا في خطابات الربيع.

انسحاب شُباط من الحكومة كلفها سنة من الجُمود، و هي التي دخلت “سخونة” بأهداف كبيرة تجلت في محاربة الفساد و الاستبداد. خروج حزب الاستقلال اعتبر أول إنذار لبنكيران كي يُخفف من سرعته، و يُكيف عجلاته مع الطريق غير المعبدة، دون إغفال فضل من أنقذ حكومته في وقت كانت حكومات الربيع تتساقط كأوراق الخريف في تونس و مصر.

استمر الجوكر بلعب دور المعارض الشرس لبنكيران، حتى حان موعد انتخابات الجماعات و الجهات خريف 2015. انتخابات تبدأ من التصويت على نائب في جماعة صغيرة، لتنتهي بلعبة كرة الثلج إلى التصويت على أقل من 120 عضوا من النواب يشكلون مجلس المستشارين، و يتحكمون في مرور ثلثي قرارات و مشاريع الحكومة.

حزب العدالة و التنمية نال المركز الأول عدديا في الانتخابات، الثاني من حيث عدد المقاعد. هي صفة من صفات الاستثناء المغربي، حيث تجد عجائب التقسيم الإداري تمنح مدينة تارودانت ذات الأربعمائة ألف ساكن وزنا سياسيا أكبر من عملاق الصناعة، الدار البيضاء صاحبة الستة ملايين نسمة!

جرت رياح الانتخابات بما لا تشتهيه سُفن شَباط، فما كان من الرجل الذي احتل حزبه الرتبة الثالثة إلا أن أعلن نيته تأييد حكومة بنكيران المتحالف مع داعش و الموساد، بما وصفها المساندة النقدية، كلمات رنانة زورا و بهتانا و ضحكا على ذقون المغاربة في لعبة كراسي موسيقية.

شباط بلع لسانه لحين بعد تفاهمات على المناصب و رئاسة اللجان داخل المجلس، و تجميد تحقيق قضائي مع 16 نائبا من ضمنهم أحد أبنائه المدللين، اتهموا باستعمال المال القذر في استحقاقات الجماعات.
انتظر المغاربة سنة أخرى ليروا الجوكر و هو يغير لونه و يثور على حلفائه السابقين، بعد أن أخرجوه من مولد انتخابات مجلس النواب بلا حُمص، ليعلنها مؤامرة كونية عليه و على حزبه.

الثائر كتب مقالا نُشر على صفحات موقع الحزب قال فيه أن حياته مهددة من نفس الجهات التي اغتالت عبد الله باها و أحمد الزايدي، مضفيًا على تصريحه لمسة تشير لوزارة الداخلية.

بعد أن حوّل المقال المكتوب إلى حوار مع فرنس 24، مبرزا استعداده للشهادة دفاعا عن مبادئه، و بعد أن تأكد من أن الرسالة وصلت، سحب المقال، قبل أن يتجه نحو مكاتب الشرطة القضائية و يجيب على سؤال من يهدد حياتك سيد شباط ب داعش!
المغاربة اليوم يتابعون السيد حميد المتأرجح دائما و اللاعب على كل الحبال و هو يصف الأيادي الإلهية التي جاءت به على رأس الحزب بالأيادي الشيطانية التي تريد تخريب حياة المغاربة السياسية. كما ينادي السياسي بفتح تحقيق في خروج حزبه من الحكومة سنة 2013، ويقول أنه مستعد لتحمل المسؤولية!
نموذج زعماء أحزاب بات المغاربة يصفونها بالدكاكين السياسة، حيث للموقف ثمن و للكلمة سعر و للتخندق في صف دون آخر مقابل و جزاء.

دكاكين تُحفظ فيها مومياء الزعماء و السياسيين بعناية و تحت درجة الصفر، لتخرج و تُبعث حين يحين أوانها، و تُعتبر مَيتة و جيفة حين ينتهي دورها أو تخالف قواعد لعبة رسمت لها بعناية فائقة.