وجهة نظر

على هامش انبثاق مفهوم مغربي جديد للديمقراطية بعد اكتمال المفهوم الجديد للسلطة

لنفرض أن لوزارة الداخلية ما يبرر حقا منعها لمسيرة 20 يوليوز، وأن الأمر لا يتعلق بكبح حق التظاهر والاحتجاج المكفول في الدستور، كما قد يوحي بذلك البلاغ الصادر عنها، فهل من حقها أن تحجب عنا هذه المبررات، وان تمتنع عن تضمينها في البلاغ؟ هل يتعلق الأمر مثلا بعدم قدرتها على توفير التأطير اللازم لمسيرة يقول الداعون إليها انها ستكون مليونية؟ في هذه الحالة هل ستستطيع بالفعل تطبيق قرار المنع لو أصر المتظاهرون على تنفيذ مسيرتهم؟ وإذا لم تكن صعوبة التأطير الأمني هي السبب، فلماذا المنع؟ هل لجأت السلطات الى قراءة المسيرة قراءة سياسية؟ في هذه الحالة تكون تلك السلطات قد حادت عن الحياد المفروض فيها سياسيا، فهي سلطات إدارية وأمنية وليست في خدمة سياسة دون أخرى.

وإذا لم يكن الداعي إلى المنع أمنيا ولا سياسيا، فماذا يكون يا ترى؟ أليس من حق المتظاهرين الذين يخبرهم بلاغ الداخلية بمنع مظاهرتهم أن يعرفوا بكل وضوح سبب المنع كي يمتثلوا له طواعية لو كان مقنعا؟ الم يكن ذلك أفضل من التعامل معهم ومع الرأي العام على أنهم غير راشدين، ويتعين عليهم فقط أن ينفذوا ما يطلب منهم دون حاجة إلى الفهم ولا الاستفهام؛ لأن هناك من يسهر على سلامتهم ويفهم مصلحتهم اكثر منهم. ويكفيهم فقط أن يعلموا أن ذلك في صالح الديمقراطية، التي لا تقوم إلا بالامتثال للقانون، إدارة وسلطات ومواطنين، حسب ما ورد في البلاغ.

من جهتي، ادعو المتظاهرين الممنوعين، أن يتفهموا أن وزارة الداخلية ما زالت غير مقتنعة بأنهم يريدون الديمقراطية، وأنهم يعرفون الطريق اليها، وبأنهم سيفهمون اسباب اعتراضها على سيرهم في الحسيمة يوم 20يوليوز لو انها افصحت لهم عنها؛ فهم في نظرها ما زالوا عند المستوى نفسه الذي وجد فيه ليوطي أجدادهم قبل أزيد من مائة عام.

هناك خلل ما، يفصح عنه بلاغ وزارة الداخلية: هل يوجد هذا الخلل في علاقة الدولة بمواطنيها، أم في فهم السلطة الإدارية والترابية لحدود مهماتها، ام في فهم الرعايا للديمقراطية التي يريدها لهم المخزن، أم في فهم هذا المخزن للدستور والقانون؟
لو كنت وزير الداخلية، وعلمت من أجهزتي أن الاستجابة للمظاهرة ستكون كبيرة، لكنت سمحت بتنظيمها، بل ولأسهمت في تأطيرها، ودعمها لوجستيكيا، وإعلاميا، كمبادرة مواطنة تسهم في الحد من الانزلاقات التي يتصيد فيها بعض الانتهازيين بتحريف احتجاجات الحسيمة عن مضمونها السياسي والاجتماعي التقدمي.

ولو كنت وزير الداخلية، وتوقعت من معطيات أجهزتي أن المسيرة ستكون ضئيلة الحجم لكنت تركتها وشأنها، وللمزت، بعد انتهائها، أنها لا تمثل سوى أقلية تافهة ممن لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب؛ ولكنت أوحيت الى زبانيتي من الخبراء ومديري مراكز الدراسات، أن يملأوا كل القنوات من أجل ان يستنتجوا من ضآلة المسيرة أن مقاربة الدولة للوضع في الحسيمة هي مقاربة أغلبية المغاربة، وأن على الجميع أن يلتف حول تلك المقاربة، بلا مزايدات ولا تقطير شمع.

في كل الأحوال، ما كنت لأتصرف ببلادة وأصدر بلاغا يسمي القمع ديمقراطية، ويصطف في صف تقسيم البلد إلى معسكرين: معسكر القامعين ومعسكر المقموعين.
ولكنني للأسف لست وزير الداخلية.